SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

تأثيرات الأداء السيء لحلف الناتو و إخفاقه في ليبيا

ByRiad Kahwaji

مايو 10, 2011

رياض قهوجي*
 بدأت التأثيرات السلبية للعمليات العسكرية المطولة في ليبيا توثر على صورة وأوضاع حلف شمال الأطلسي – الناتو ، كما بدأت بتوفير الفرص لتقوم ليبيا[*] بالتملص من هذه الهيمنة والتحول إلى ملاذ آمن للقاعدة في بلاد المغرب. فعندما تقدم حلف الناتو متطوعاً قيادة العمليات لفرض حظر الطيران وحماية المدنيين في ليبيا بحسب قرار مجلس الأمن 1973 ، ظنت معظم شعوب المنطقة أن قوات الدكتاتور الليبي الكولونيل معمر القذافي سوف تهزم خلال أسابيع قليلة.

ولكن وبعد شهرين تقريباً من البدء بهذه العملية، فإن الحملة ضد القذافي لا تزال تبدو بعيدة عن خواتمها، مع حدوث اختراقات لقرار حظر الطيران المفروض بين الحين والآخر، وتواصل المذابح التي تطال المدنيين من قبل القوات الموالية للنظام.

العديد من المسؤولين والمحللين في منطقة الشرق الأوسط يراقبون بكثير من الخوف ما كانوا يعتبرونه أقوى تحالف عسكري في الغرب يقوم بعمليات عسكرية ينقصها الكثير من الحزم والحسم ضد جيش قليل التدريب مكون من أفراد من اللصوص والمرتزقة مجهزين بمعدات وأسلحة قديمة.

يقول أحد الجنرالات من القادة العسكريين الكبار في حلف الناتو طلب عدم ذكر اسمه:" إذا ما تابع الحلف عملياته على هذا المنوال، وتعامل باستهتار مع هذه المهمة فسوف يقوم بهدم ما بناه في 50 عاماً من العمل المتواصل الدؤوب. فكافة جهود الناتو التي بذلها لصقل صورة الحلف وتوسيع علاقاته الإستراتيجية مع العرب وبلدان الشرق الأوسط قد تضعضعت نتيجة للعمليات السيئة التنفيذ التي شنها هذا الحلف في ليبيا. وأضاف هذا المسؤول:" بينما يشترك 10 فقط من الدول الـ 26 الأعضاء في حلف الناتو في الحملة ضد ليبيا، يجب الحصول على موافقة كافة الدول الأعضاء للتصديق على لائحة الأهداف وخطط العمليات قبل القيام بها. غالبية الدول الأوروبية الأعضاء اختارت البقاء خارج اللعبة لأسباب سياسية أو محلية تعود إلى الانتخابات العامة أو لمرورها بصعوبات اقتصادية. هنالك دولتان عربيتان وهما قطر والإمارات العربية المتحدة تقدمتا بطائرات مقاتلة نفاثة للقيام بالمشاركة بالعمليات القتالية، إلا أنهما اكتشفتا في ما بعد بأنه لم يكن من السهل القيام بمثل هكذا عمليات في بيئة تخضع لأحكام صارمة إذ يجب على مقاتلاتهم أن تحصل على مواكبة طائرات الناتو الحربية في كل طلعة من طلعاتها فوق الأراضي الليبية، لكي تتماشى مع القوانين الداخلية لهذا التحالف.

لقد كان حلف شمال الأطلسي على مدى السنوات القليلة الماضية يحاول إقناع دول الخليج العربي بالتوقيع على مبادرة إسطنبول للتعاون Istanbul Cooperation Initiative, ICI مع التشديد على نقطتين رئيسيتين: الأولى أن حلف شمال الأطلسي لا يمثل الولايات المتحدة الأميركية ولا يقع تحت حكم واشنطن. أما النقطة الثانية فتقول أن كون الحلف مكون من 26 عضواً فهذا يعني أنه لا الولايات المتحدة الأميركية ولا أية من الدول الأوروبية الأعضاء يستطيع أن يملي سياسته أو أن يقوم بالاحتكار أو الهيمنة على القرارات الأمنية.

إلا أن العملية العسكرية الليبية قد برهنت للشعوب في المنطقة بأن القدرات العسكرية لحلف الناتو دون الولايات المتحدة الأميركية، هي قدرات متواضعة ولا تتمتع بالكثير من الاعتمادية. وقد برهنت هذه العمليات أيضاً أن الحصول على موافقة 26 عضواً لا يعد من الأمور السهلة المنال وبالتالي فإن حلف الناتو قد لا يكون الشريك أو الحليف الفاعل الذي يمكن الاعتماد عليه في هذا المجال.

الجنرال في حلف الناتو المذكور آنفاً يقول في هذا الصدد:" مع هذا الأداء السيء من قبل الحلف، أشك بشكل جدي بإمكانية قيام قلة أو حتى أي من دول الخليج العربي بالتوقيع على مبادرة ICI أو متابعة المشاركة بها.

ولكن وبينما لم يشر قرار مجلس الأمن تحديدا إلى ما سوف تنتهي إليه النتيجة الأخيرة للعمليات العسكرية، فإن الولايات المتحدة الأميركية وبعض القادة الغربيين قد حددوا طرد القذافي كهدف أخير للحملة. ولكن ومع العدد الضئيل المتوفر من الطائرات الحربية وقيامها ببعض الضربات الجوية القليلة لدعم مجموعات قليلة متداعية من الثوار الليبيين غير المسلحين بشكل لائق جعل قوات القذافي تنجح حتى الآن بالبقاء صامدة قادرة على المواجهة وعلى القيام بشن الهجمات العكسية ضد الثوار على الجبهات العديدة المختلفة.

فقد أخفق أعضاء حلف الناتو في التفاهم لتقديم إستراتيجية مشتركة. فالبعض منهم يحبذ تسليح الثوار بينما البعض الآخر يفضل إرسال قوات برية تردع قوات القذافي وتنهي هذه الحرب بسرعة. ولكن ومن ناحية أخرى فإن قرار الأمم المتحدة يمنع عملية احتلال ليبيا وهو في الوقت نفسه ليس واضحاً بما يختص بتسليح الثوار. لذا فإن مسرح القتال في ليبيا يمتد على السواحل الليبية من الشرق إلى الغرب مع بعض المعارك التي تحصل جنوب العاصمة الليبية طرابلس، مما يترك مساحات شاسعة من الأراضي الليبية في وسط وجنوب البلاد خالية من البشر أو واقعة تحت سيطرة القوات النظامية الليبية، الأمر الذي سوف يفسح في المجال أمام القاعدة أو المجموعات الإرهابية الأخرى بحرية التنقل واكتساب القدرة على الحصول على غنائم مثل صواريخ أرض- جو أو أسلحة فتاكة أخرى من المستودعات والترسانات الليبية التي استولى عليها الثوار. وكلما طالت مدة القتال مع قوات القذافي كلما تحسنت الفرص بالنسبة للإرهابيين للقيام بتحصين أنفسهم والاستيلاء على الأسلحة التي يبحثون عنها.

الشارع العربي برمته تقريباً مناوئ للقذافي خصوصاً مع قيام ما يسمى بالربيع العربي الذي يجتاح بلدان الشرق الأوسط . فالثورات الشعبية العربية قد أطاحت بأنظمة الحكم في مصر وتونس وهي الآن تهدد الأنظمة في العديد من الدول الأخرى بما في ذلك ليبيا. فالرأي العام العربي المتمكن، يدعم بقوة الإطاحة بالقذافي، كما ينعكس ذلك يومياً من التغطية الإعلامية العربية المضادة للقذافي أو مما تبثه القنوات التلفزيونية العاملة عبر البلدان العربية مثل قناتي العربية والجزيرة. هذا ولن يكون الشارع العربي المذكور متسامحاً مع/ أو متفهماً في حال إخفاق حلف الناتو من إقصاء القذافي.

أصحاب نظريات التآمر، وهم كثيرون في البلدان العربية ، قد بدؤوا بالكلام عن مؤامرة يحيكها الغرب لإطالة فترة الحرب بغية التحكم بمصادر النفط والغاز الليبيين والقيام بوضع اليد على مليارات الدولارات من الأرصدة المجمدة وعلى الأصول والموجودات العائدة للنظام الليبي في الغرب. وسوف يكون من الصعب جداً بالنسبة لأي محلل أو مسؤول رسمي محاولة القيام بإقناع الشارع العربي بسبب إخفاق حلف الناتو الذي يتضمن الولايات المتحدة الأميركية بإقصاء القذافي بينما نجحت الولايات المتحدة الأميركية بمفردها باقتحام العراق وهزيمة قوات عسكرية أقوى بكثير من قوات القذافي في مدة من ثلاث أسابيع. لذا على الغرب أن يتذكر أن هنالك المزيد في المعطيات الجديدة على أرض الواقع في منطقة الشرق الأوسط أنتجتها حالة الربيع العربي، وأنه إذا ما تحول الرأي العام العربي ضدهم أو ضد حلف الناتو نتيجة لسوء معالجة العمليات العسكرية الليبية، فسوف يخسرون أكثر بكثير من مجرد ثقة العرب بهم.
 

* الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري – اينجما

شارك الخبر: