SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

تقييم موقف تركيا تجاه سوريا والخيارات المتاحة

ByRiad Kahwaji

أغسطس 17, 2011

رياض قهوجي*
لقد تركت الوساطة والتدخل التركي في الأزمة المستمرة في سوريا الكثير من الأشخاص داخل سوريا وخارجها في حيرة وارتباك تامين. فهل كانت أنقره تحاول أن تنقذ[*] نظام بشار الأسد المهدد في سوريا أم إنها كانت تنظم تحركات دولية لتغيير هذا النظام. التطورات السريعة في سوريا والدبلوماسية التي تقودها تركيا عالمياً طرحت الكثير من الغموض على موقف أنقره الحالي. وقد خلفت هذه الواقعة كماً كبيراً من الخيبة في أوساط الناشطين في المعارضة السورية والمراقبين العرب. وقد بدا الغضب من تركيا على اليافطات واللوحات التي كان يحملها المتظاهرون السوريون خلال الأيام القليلة الماضية والتي كانت تنتقد تركيا لفترة السماح التي منحتها أنقره للنظام السوري لكي يسحق الثورة القائمة حالياً بأقصى ما أوتي من قوة خلال فترة الأسبوعين. فلا بد أن البعض قد صدق أن اللقاء بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو والرئيس بشار الأسد في دمشق في التاسع من آب/ أغسطس الحالي قد انتهى باتفاق يعطي نظام الأسد بعض الوقت لإخماد العصيان بالقوة.

وقد عزز وقع هذا الشعور التصريحات التي أدلى بها كل من وزير خارجية تركيا داود أوغلو ورئيس الوزراء رجب طيب أردوغان؛ حيث أتيا على ذكر إعطاء الأسد 15 يوماً لإنهاء القمع والبدء بالإصلاحات الموعودة منذ زمن بعيد. كما جاء نقلاً عن وسائل الإعلام العربية أن أردوغان طلب من رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك أوباما، في 13 آب/ أغسطس، بأن يؤجل التصريح الذي يعلن فيه أن الأسد قد فقد شرعيته وعليه أن يذهب.

أول سؤال يطرح نفسه هنا هو: هل قامت أنقره بتوجيه إنذار للأسد أو إنها كانت تساعده على اكتساب المزيد من الوقت لإنهاء الثورة؟. وفي 15 آب/ أغسطس حاول داود أوغلو توضيح موقفه بإنكار قيام أنقره بإعطاء أية فترة سماح للأسد لكي يقوم بقمع شعبه، وأكد أن "الكلمات الأخيرة التي وجهتها تركيا للأسد" كانت بأن عليه أن ينهي العنف فوراً". وكان أردوغان قبل ذلك قد انتقد بعنف النظام السوري بسبب القمع العنيف الذي يمارسه ضد شعبه، وحذر بأن الوقت بدأ ينفذ بالنسبة للأسد لإصلاح الموقف. وتدل هذه التصريحات على أن صبر أنقره قد بدأ يتضاءل. وقال أردوغان أيضاً بأن الوضع في سوريا بالنسبة لتركيا ليس مشكلة علاقات أجنبية فحسب، بل إنها مسألة أمن قومي. فبتاريخ 8 آب/ أغسطس رأس أردوغان اجتماعاً ضم المسؤولين الأمنيين الرفيعي المستوى لديه لمناقشة الوضع في سوريا، وقد تم استدعاء احتياطي الجيش، وتم نشره على الحدود السورية بحسب ما نقلت وسائل الإعلام. أكثر من 7000 لاجئ سوري فروا من جراء عمليات القمع المسلح نحو المخيمات التي أصبحت متواجدة في الناحية التركية من الحدود. ولكن ما يقلق أنقره هو إمكانية تحول الوضع في سوريا إلى حرب أهلية مذهبية بين السنة والعلويين. فالقطاع السكاني في سوريا يتألف بنسبة 80 بالمائة من السنة و15 بالمائة من العلويين – وهم فرع من الشيعة.

إن استعمال القوة المفرطة من قبل العسكريين السوريين والقادة الذين هم في الغالب من العلويين ضد الغالبية من الشعب السوري من السنة قد عمقت الانقسام المذهبي في البلاد ورفعت التهديدات بانزلاق البلد نحو حرب أهلية. وقد يؤثر سيناريو من هذا النوع على تركيا التي لديها أقلية علوية تتعايش مع الأكثرية السنية. بالإضافة إلى ذلك، فإن الوضع في سوريا، التي تعتبر عضواً في المحور الإيراني يزيد من الثقل على الوضع المتأزم في المنطقة بسبب الحرب السعودية الإيرانية الباردة التي أثارت الخلاف المذهبي السني – الشيعي. لذا فإن الأزمة السورية قد تكون السبب في إطلاق الشرارة لحرب عرقية/ مذهبية شيعية علوية فارسية ضد العرب- السنة، والتي قد تنجر الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل والعديد من القوى الأخرى إلى خوضها.

فمساعدة أنقره للأسد لكسب الوقت تعني أن المسؤولين الأتراك يصدقون بأن الأسد يريد القيام بإصلاحات وأنه جاد في إنهاء أساليب قمعه الدموية. بعض المحللين يتساءلون لماذا، بالنظر إلى الأحداث الدائرة في سوريا وتاريخ هذا النظام هناك، لا يزال لدى السيد داود أوغلو بعض الأمل، أو لا يزال يؤمن بأن الأسد سوف يقوم بإجراء إصلاحات وينهي العنف. الأحداث اللاحقة التي أتت بعد اجتماع الأسد /داود أوغلو أظهرت عرضاً شبه مسرحي من قبل العسكريين السوريين الذين قاموا بعملية إعادة انتشار لقواتهم داخل وحول مدينة حماه، بذريعة أنهم ينسحبون من هذه المدينة. ومنذ ذلك الوقت قام العسكريون السوريون باقتحام اللاذقية والعديد من المناطق والمدن الأخرى في مقاطعات حمص وحماه ودمشق ما أدى إلى مقتل وجرح العشرات من المدنيين الأبرياء. وبذلك يتتابع القمع العنيف دون أي مؤشر لانتهاء الثورة الشعبية التي تواصلت ليلاً ونهاراَ في العديد من أرجاء البلاد. لذا فإن غياب أية مكاسب حقيقية بالنسبة لقيام أنقره بمساعدة نظام واهن ضعيف والمخاطرة بسمعتها الطيبة ومجابهة العالم العربي لإنقاذ نظام برهن عن عدم قدرته على مساعدة نفسه يقودنا إلى القول بأن تركيا لابد وأنها وجهت إنذاراً إلى الأسد.

ترى مصادر رسمية مطلعة في قطر أن نظام الأسد قد أخطأ مرة أخرى في قراءة الرسالة التركية، واعتقد أن تركيا منحته فرصة لبذل المزيد من القوة لسحق الانتفاضة الشعبية. وتعتقد هذه المصادر أن الخطوة التركية قد جعلت دمشق تدخل في فخ صنعته لنفسها، لأنها وبزيادة العنف ضد شعبها، فإنها قد تدفع المزيد من الدول لكي تتخلى عن نظام الأسد وتدعم الحملة الدولية التي تقودها الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية للإطاحة بالنظام السوري، عبر فرض عقوبات دولية صارمة عليها. هذا، وسوف يقوم مجلس الأمن في الأمم المتحدة بعقد اجتماعات أسبوعية تتعلق بسوريا. وأن موقف هذا المجلس سوف يصبح ولا شك أشد صرامة مع مرور الوقت حتى يصل إلى مستوى فرض العقوبات الصارمة.

ثمة سؤال آخر يطرح نفسه أيضاً وهو: ماذا ستفعل أنقره إذا ما لم يتوقف النظام السوري، كما هو متوقع بشكل عام، عن استعمال القوة المفرطة لقمع الشعب؟ ليست هنالك رؤية عامة متعلقة بهذا السؤال، على الرغم من أن الصحافة التركية نقلاً عن مصادر لم تسمّها صرحت بأن أنقره سوف تقطع علاقاتها بالنظام السوري، وتفرض عقوبات قاسية وتساعد المعارضة السورية في جهد منها للإطاحة بالأسد. وإذا كان الأمر كذلك، فسوف تكون تلك خطوة جبارة بالنسبة لتركيا؛ لأن ذلك سوف يرفع مكانتها إلى أوج لم يسبق لها أن تواجدت فيه في المنطقة وفي العالم العربي. فالرأي العام العربي الغاضب المناوئ للأسد قد أصيب بخيبة أمل من الأداء المحبط للزعماء العرب في التعاطي مع الأزمة السورية الأمر الذي سوف ينعكس إيجاباً على العلاقات التركية العربية الحالية والمستقبلية.

فإن عملية تدخل عسكري تركي لخلق منطقة آمنة أو لدعم تحرك دولي تبقى احتمالاً ممكناً، بالرغم من أن ذلك قد يبدو مستبعداً في الوقت الراهن. فالخطاب الحاسم الذي ألقاه الملك عبد الله بن عبد العزيز عاهل المملكة العربية السعودية الخاص بسوريا في الثامن من آب/ أغسطس قد تزامن مع التصريحات التركية. وأظهرت التحركات مؤشرات مبكرة عن بلدان العربية تتجهز لاتخاذ موقف من تحركات النظام السوري. فالموقف العربي التركي القوي، مدعوماً بتحرك دولي، قد يؤدي إلى انهيار النظام السوري خلال فترة زمنية وجيزة، مما يجنب هذا البلد المزيد من سفك الدماء نتيجة لحرب أهلية. ولكن، حتى ذلك الحين فإن الإرادة الصلبة الهائلة للشعب السوري الأعزل هي القوة الوحيدة التي تواجه عنف هذا النظام، وقد يُكتب لها النصر.

* الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري – إينجما
 

شارك الخبر: