SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

سيناريو مفترض لإمكانية شن هجوم استباقي إيراني للهيمنة على مياه الخليج

ByRiad Kahwaji

يناير 10, 2012

رياض قهوجي*
لقد برهنت إيران من خلال المناورات الأخيرة التي أجرتها في منطقة الخليج العربي أنها قد طورت قدراتها الصاروخية في شتى المجالات، الأمر[*] الذي يمنح طهران قدرات هجومية كبيرة تتطلب من خصومها البقاء على جاهزية تامة لتلافي حدوث كارثة على غرار تلك التي حدثت في ميناء بيرل هاربر إبان الحرب العالمية الثانية.  فالمسافة الفاصلة بين السواحل الإيرانية إلى الشرق والسواحل العربية إلى الغرب تختلف من جهة إلى أخرى. فهي تضيق عند الأطراف وتتسع عند الوسط. إلا إنها في كافة الأحوال تضع المنشآت العسكرية الأميركية الأكثر أهمية في المنطقة ضمن مدى الصواريخ الجوّالة والقذائف الصاروخية الإيرانية.  فإيران تدّعي أن الصواريخ الجوالة سطح/ سطح المضادة للسفن من طراز " نور" و "القادر" تتمتع بمجال يصل إلى 200 كلم وأنها عالية الدقة.  كما تدعي أيضاً أنه لا يمكن لأنظمة الرادار أن تكتشف تلك الصواريخ.  كذلك قامت إيران ببناء الصاروخ زلزال- 3 الذي يبلغ مداه 250 كلم. وفي المقابل، من الصعب التأكد من الإدعاءات الإيرانية في غياب الإمكانيات للتحقق من قبل جهات مستقلة. ولكن يبدو أن العسكريين الإيرانيين وخصوصاً الحرس الثوري قد بدأوا يكتسبون المزيد من المعنويات والثقة بالنفس عند تنفيذ كل مناورة.

بالنسبة للكثير من المحللين في المنطقة، فإن الروح العسكرية العالية والنبرة الخطابية المرتفعة في إيران من شأنها أن تشكل مدعاة للقلق لدى الغرب، خصوصاً مع التأثير المتزايد لتسلط الحرس الثوري على الحكومة المركزية . فإن ثقة القادة العسكريين الإيرانيين بأنفسهم هي الآن كبيرة لدرجة أنهم أصبحوا يطلقون التهديدات علناً ضد سلاح البحرية الأميركي. ففي الثالث من كانون الثاني/ يناير 2012، قام قائد الجيش الإيراني الجنرال عطاءالله صالحي بتحدي حاملة الطائرات الأميركية جون سي ستنّيس، من العودة إلى الخليج الفارسي، قائلا: "ننصح حاملة الطائرات التي عبرت مضيق هرمز إلى بحر عمان بعدم الرجوع إلى الخليج الفارسي."  وأضاف "إن الجمهورية الإسلامية الإيرانية لا تنوي أن تكرر تحذيرها". وبينما كان تركيز الغرب وحلفاؤه على مدى السنوات القليلة الماضية على تعاظم القدرات الصاروخية البالستية الإيرانية، فإن ترسانة إيران من الصواريخ الأخرى التي تعتبر بنفس الخطورة والقدرة الفتاكة لم تحظ بالقدر الكافي من الاهتمام.    

فالأنظمة الدفاعية المضادة للصواريخ البالستية المعروفة مثل پاتريوت (Patriot) وثاد (THAAD) تعتبر بالكاد فاعلة ضد الصواريخ الجوالة والقذائف الصاروخية.  وقد بدت إسرائيل كمن لا حول ولا قوة لها إزاء القذائف الصاروخية التي قامت إيران بتزويد حزب الله بها، والتي استعملت لضرب المستوطنات والقواعد العسكرية الإسرائيلية خلال صيف العام 2006. فالنظام المتطور المضاد للصواريخ البالستية الذي قامت إسرائيل باستعماله لم يستطع حمايتها من تهديدات نلك القذائف الصاروخية. وقد استحوذت إسرائيل مؤخراً على نظام دفاعي يعرف باسم القبة الحديدية لصد هجمات القذائف الصاروخية التي قد يطلقها حزب الله من الشمال وحماس من الجنوب إلا أن هذا النظام لا يزال غير مجرب في سيناريو قتالي.

إن قاعدة الأسطول الخامس الأميركية في البحرين هي على بعد 250 كلم عن الشواطئ الإيرانية، بينما مقر القيادة الوسطى الأميركية في معسكر السيلية، ومقر قيادة سلاح الجو في القيادة الوسطى قاعدة العديد الجوية في إمارة قطر المجاورة، ويبعد أقل قليلاً من 250 كلم، وقيادة الجيش الأميركي ضمن القيادة الوسطى في الكويت تبعد أقل من 120 كلم من الشواطئ الإيرانية. لذا فإن إيران لا تحتاج إلى اللجوء إلى استعمال صواريخ بالستية لكي تصيب أي من تلك القواعد الأميركية أو أي من الأهداف الساحلية في المنطقة.  ومن الممكن تقنياً لإيران أن تشن هجوماً مفاجئاً بواسطة الصواريخ الجوالة او القذائف الصاروخية على كافة القواعد العسكرية الأميركية والقطع البحرية في منطقة الخليج العربي.

ومن شأن هجمات مثل هذه أن تكون مميتة حقاً في حال تم إطلاق عدد كبير من تلك القذائف والصواريخ بشكل مكثف بحيث تجعل الإجراءات الدفاعية المضادة ضد القواعد والسفن الحربية غير مجدية. فإذا ما قررت إيران إغلاق مضيق هرمز، كما لا تنفك تهدد منذ أسابيع عديدة، فلا بد أن ترفق ذلك بشن هجوم ساحق تغرق فيه أكبر عدد من السفن الحربية الأميركية وسفن حلفائها، كما سوف  تضرب مدرجات القواعد الجوية والمواقع الإستراتيجية الأخرى على السواحل الغربية من الخليج العربي.  وسوف تتسبب تلك الضربات بصد وشل قدرات أعداء إيران لفترة مؤقتة، وبالتالي سوف تقتصر الجبهة الحربية البحرية على بحر عمان والمحيط الهندي، كما سوف تسمح لطهران بالاحتفاظ بهذا الممر الإستراتيجي مقفلاً وتحت سيطرتها – لمدة طويلة على أقل تقدير.

وقد يقوم النظام الإيراني على الأرجح بشن هجمة جريئة من هذا النوع في أي وقت تجد فيه طهران أن العقوبات والعزلة الدولية التي تتعرض لها قد وصلت إلى نقطة تشعر من بعدها أن اقتصادها الوطني قد أصبح على وشك الانهيار. وبالرغم من أن مثل هذا الهجوم سوف يدفع الولايات المتحدة الأميركية إلى رد انتقامي موسع ويضعها في مواجهة حربية مع جيران إيران من السنّة، فقد يجد النظام الإيراني أن هذا الهجوم شر لا بد منه في لعبة تبلغ محصلة الربح والخسارة فيها صفراً. كذلك، قد تقوم إيران بشن هجوم من هذا النوع رداً على قيام إسرائيل بضرب منشآتها النووية. وقد تحقق إيران بعض الأهداف القليلة الهامة في شن مثل هذا الهجوم الجريء، مثال على ذلك:

  • تكتسب لنفسها المزيد من الوقت لتحويل برنامجها النووي إلى المنحى العسكري كلياً، خصوصاً إذا كان لديها مواقع نووية لا تزال لم تكتشف بعد. ويبدو أن غالبية القادة الإيرانيين يحبذون النهج المتبع في كوريا الشمالية والقائل بأنه ما من أحد يستطيع أن يهاجم بلداً لديه أسلحة نووية.
  • سيتمكن النظام من إسكات المعارضة الإيرانية وضمان السيطرة عليها.
  • تضمن طهران مكانتها كقوة عظمى بالنسبة للدول الأخرى المتواجدة في المنطقة وبالنسبة للشيعة عبر العالم.
  • تكتسب إيران ورقة مساومة كبرى بإغلاقها مضيق هرمز وبسط سيطرتها الكاملة عليه. فإن منع سدس صادرات البترول العالمية يومياً من المرور قد يعرض الولايات المتحدة الأميركية والمجتمع الدولي إلى ضغوط شديدة ويسمح لطهران بأن تحصل على ما تريده منذ أمد طويل في المساومة الكبرى مع الغرب.
  • قد تأمل إيران بأن قيامها بشن هجوم مفاجئ على جبهتها الغربية سوف يخيف جيرانها إلى الشمال والشرق ويمنعهم من مساعدة الولايات المتحدة على القيام بردود فعل انتقامية ضدها مما سوف يجعل الحرب محصورة في الجبهة البحرية الجنوبية.
  • وقد تعتمد إيران على الدول الشرقية مثل الصين واليابان والهند للضغط على الولايات المتحدة لإنهاء الحرب والسماح لنفط الخليج الذي تعتمد تلك الدول عليه لتدعيم اقتصادها بالتدفق. وسوف تقدم طهران نفسها كضحية أجبرت على القيام بهذا العمل وتعمل على اكتساب حلفاء في الشرق على أمل توسيع رقعة الحرب لتصبح عالمية.

إن الاعتقاد السائد بين معظم القادة الإيرانيين هو أن النظام سوف يتداعى فقط في حال نجاح الاجتياح التام للبلاد من قبل دولة أجنبية، الأمر الذي يظنون أنه صعب جداً وفائق الكلفة بالنسبة للولايات المتحدة في الظروف الحالية. فإن محللي ومسؤولي النظام الإيراني  كثيراً ما يصفون الولايات المتحدة الأميركية في كتاباتهم وخطبهم كدولة متداعية تتلاشى. وهم ينظرون إلى اجتياح القوات الأميركية لأفغانستان والعراق على أنها إخفاقات بالنسبة لواشنطن أنهكت قواتها. وهم يعتقدون أيضاً بأن الأزمة المالية الدولية الحالية سوف تمنع أميركا وأوروبا من شن حرب مكلفة طويلة الأمد ضد خصم قوي مثل إيران. لذا، فإن طهران سوف تسعى لوضع نهاية سريعة للحرب من خلال وساطة الأمم المتحدة لوقف إطلاق النار الذي من شأنه الإبقاء على النظام وتقديمه على أنه بطل استطاع مجابهة القوى العالمية العظمى.

إذا كان التاريخ قد علّم الإنسانية درساً واحداً فهو  أن تتوقع دائماً ما هو غير متوقع، خصوصاً عندما يكون الأمر متعلقاً ببقاء نظام دولة فخورة واثقة من نفسها. فالإمبراطورية اليابانية والطريقة التي دخلت بكامل إرادتها الحرب ضد خصم كان قادتها يعلمون مسبقاً بأنه أقوى منها ويستطيع أن يهزمها، يجب أن يبقى درساً للدول والجيوش عبر العالم.  ومصير البلدان يتوقف دائماً على المخاطر والحسابات التي يتخذها قادتها في أوقات النزاع. إن الثقة المبالغة في التكنولوجيا يمكن أن تكون كارثية. وهذا ما تعلمته إسرائيل في حربها الثانية ضد لبنان في العام 2006. فالأسلحة التي كان الغرب يرى أنها أصبحت قديمة غير ذات نفع، مثل القذائف المدفعية، قد تبرهن عن قدراتها المدمرة في حال قامت إيران بهجوم مباغت ومكثف، وقد تستعمل أيضاً غير ذلك من القدرات غير المتكافئة، عبر شن هجمات انتحارية بواسطة قوارب سريعة وهجمات طوربيدية في محاولة منها لإغراق أكبر عدد ممكن من السفن الحربية في مياه الخليج، لإنهاك القدرات البحرية للولايات المتحدة الأميركية وحلفائها وحرمانهم من استعمال القواعد الجوية. 

يجب أن تأخذ عملية تموضع القوات العسكرية الأميركية وحلفائها بعين الاعتبار احتمال قيام إيران بشن هجوم استباقي مكثف، وينبغي بالتالي أن يكون هذا التموضع في العمق نحو الغرب (يكون في المملكة العربية السعودية من ناحية البحر الأحمر) أو إلى الجنوب (عند بحر عمان). كذلك ينبغي توسيع نظام الدفاع الصاروخي الإقليمي فوراً ليشمل إجراءات مضادة للقذائف الصاروخية المدفعية والصواريخ الجوالة. والسؤال الذي يطرحه الجميع، خصوصاً الإيرانيون، في حال قامت طهران بمواصلة هذه المغامرة القاتلة هو: إلى أي مدى قد تكون الولايات المتحدة مستعدة للذهاب من أجل تحقيق النصر القاطع في حربها مع إيران؟" لنأمل بألا يعرف العالم ذلك أبداَ. 

 

* الرئيس التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري – إينجما

شارك الخبر: