SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

تزامناً مع المحادثات النووية.. ربيع ساخن في الشرق الأوسط

رياض قهوجي*
تُحدث الاتفاقية المؤقتة بين إيران والمجموعة الدولية المعروفة باسم الدول الدائمة العضوية زائد واحد والتي تضم الولايات المتحدة الأميركية وروسيا وبريطانيا وفرنسا والصين وألمانيا والمتعلقة ببرنامج طهران النووي المثير للجدل، عاصفة عالمية وخصوصاً في منطقة الشرق الأوسط الرازحة تحت عبء الصراعات العرقية والطائفية التي تجري وقائعها بدءًا من اليمن ومروراً بلبنان ووصولاً إلى سوريا، جبهة القتال الرئيسية والأكثر دموية. وفيما تبدأ هذه العاصفة بالهدوء من جراء توقيع الصفقة النووية المؤقتة، تظهر بضع وقائع وملاحظات حسية في هذا المجال، والتي من الممكن أن تُسهل أو تُعقِّد الاتفاقية الدائمة المتوقع من إيران أن تتوصل إليها مع الدول الدائمة العضوية زائد واحد بعد ستة أشهر.

إن النظرة السائدة في الشرق الأوسط هي أن إيران هي الرابح الأكبر من هذه الصفقة وأن نفوذ واشنطن في المنطقة يتراجع ويتقهقر. فماكينة العلاقات العامة الإيرانية الفائقة القوة والتعقيد تقوم بكل ما في وسعها لترسيخ هذا الاعتقاد. ويتحرك وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف بسرعة للاستفادة من الزخم الذي خلفته هذه الصفقة عبر القيام بجولة في دول الخليج العربي- التي تعتبر من الدول الحليفة لأميركا في هذه المنطقة- لكي يؤكد لهم بأن إيران لا تكنّ لهم سوى النوايا الحسنة وأنه ليس عليهم أن يقلقوا من برنامج إيران النووي وأن يعملوا سوياً معها لترسيخ الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط خصوصاً وأن إيران سوف تصبح من الآن وصاعداً من القوى الإقليمية المعترف بها والمقبولة من الغرب.

وقد صرح أحد المسؤولين الخليجيين بالقول أن ظريف بدا أكثر إقناعاً من نظيره الأميركي جون كيري الذي كان قد قام بجولة في الخليج قبل وبعد التوصل إلى عقد هذه الصفقة مع طهران. وإستطرد هذا المسؤول الذي فضل إبقاء اسمه طي الكتمان بالقول :” بعد كل ما قيل وحصل خلال السنة الماضية، لم يعد أحد يصدق الأميركيين على الإطلاق في هذه المنطقة.”

وغني عن القول، إن القدرات المعلوماتية الإستراتيجية الأميركية في الشرق الأوسط قد باءت بالفشل الذريع منذ بعض الوقت هنا، خصوصاً في مواجهة نظام المعلومات القوي والفاعل الذي قامت إيران بمساعدة حلفائها في المنطقة بتطويره. وبالتالي فإن واشنطن غير قادرة على إقناع العالم العربي بأنه ليس هنالك عملية تقارب مع إيران وأن الاتفاقية هي في الواقع لمنع إيران من التحول إلى دولة نووية.

ويبدو أن إستراتيجية إيران الآن ترتكز على القيام بوضع الحلفاء الرئيسيين لأميركا في المنطقة أي المملكة العربية السعودية وإسرائيل في عزلة تامة عنها. فالتعامل مع إسرائيل، من الشؤون التي تركتها طهران بشكل رائع لإدارة الرئيس الأميركي أوباما؛ إذ تقوم طهران بمراقبة الصدع الذي يتوسع بين هذين الحليفين كما ترقب عدم تواجد تجاذب كيميائي ما بين الرئيس أوباما ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين ناتانياهو. ويبدو أن طهران تدرك بأن الجمهورية الإسلامية لا تحتاج من ناحيتها إلى القيام بالشيء الكثير لحشر الإسرائيليين في الزاوية وجعلهم يستسلمون للأمر الواقع.

فكل من إدارة الرئيس أوباما واللوبي الصهيوني عالق في صراع مرير سواء عبر وسائل الإعلام أو في الكونغرس نفسه بسبب السياسة الجديدة لواشنطن تجاه إيران. فغالبية وسائل الإعلام في الولايات المتحدة وأوروبا انطلق في دعم الصفقة النووية التي ينظر إليها على أنها من الوسائل التي تدفع بظلال الحرب بعيداً خلال هذه الأوقات الاقتصادية العصيبة التي تجتاح العالم. وقد أصبحت إسرائيل الآن توصف في معظم وسائل الإعلام الغربية على أنها مؤيدة للحرب ومناهضة لأية اتفاقية مع إيران، بينما ينظر إلى طهران على أنها تحت قيادة حكومة إصلاحية محبة للسلام تحارب المتشددين في الداخل لتحقيق صفقة نووية مقبولة مع المجتمع الدولي.

أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية، فتحاول إيران أن تبقيها منعزلة عبر خلق صدع بينها وبين حلفائها من دول الخليج والغرب وذلك عبر تعزيز الفكرة القائلة بأن الرياض، عبر قيامها بتمويل الثوار في سوريا ودعمهم، تشجع المجموعات الجهادية التي تناهض الغرب والتي تنشر الموت والإرهاب الموجود في الشرق الأوسط وخصوصاً في سوريا، في كافة أنحاء العالم. فخلال جولته الأخيرة قام ظريف بزيارة الدول العربية كافة ما عدى المملكة العربية السعودية، وقال بأن السعوديين رفضوا لقاءه، وهذا الإدعاء أنكره وزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل بسرعة قائلاً بأن الرياض قد وافقت على طلبه لزيارة المملكة. وأتى تصريح ظريف المتعلق بالمملكة العربية السعودية قبل ساعات قليلة من قيام السيد حسن نصر الله، الأمين العام لحزب الله اللبناني علناً باتهام المملكة العربية السعودية بتدبير الهجوم الانتحاري لتفجير السفارة الإيرانية في بيروت الشهر الماضي. ومن الواضح بأن إيران تحاول التفريق ما بين المملكة العربية السعودية وحلفائها في الخليج ومع الدول الغربية.

ثمة مخطط آخر أيضاً تحاول إيران إرسائه عبر جعل موعد انتهاء اتفاقيتها النووية المؤقتة وحلول موعد توقيعها للاتفاقية الدائمة مع الدول الدائمة العضوية زائد واحد بحيث يتزامن مع عدد من الأحداث الإقليمية الرئيسية الهامة. فقد أعلنت طهران بأن فترة الأشهر الستة للقيام بتنفيذ الاتفاقية المؤقتة سوف تبدأ انطلاقا من شهر كانون الثاني/ يناير وهذا يعني أن فترة الأشهر الستة ستنتهي في حزيران/ يونيو من العام المقبل 2014. وهنالك العديد من الأحداث والمناسبات الهامة المنتظرة خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو 2014 وهي كالتالي:
 انتخاب رئيس سوري جديد. ويعتبر هذا الحدث أحد البنود الأساسية التي قد تؤثر سلباً أو إيجاباً على عقد اتفاق أو صفقة ما بين النظام السوري والثوار. فالثوار ومن يدعمهم في الغرب والعالم العربي يطالبون بإسقاط الرئيس السوري الحالي بشار الأسد بينما تؤيد كل من إيران وروسيا إبقاءه في منصبه.

 كما يتزامن هذا الموعد مع انتخاب رئيس جمهورية جديد في لبنان، الذي تحكمه الآن حكومة تصريف أعمال مدعومة من قبل سوريا وإيران. ومن المنتظر أن يدخل لبنان في دوامة سياسية عندما تنتهي مدة رئاسة الرئيس المعتدل ميشيل سليمان، فحزب الله يحاول أن يستبدله بشخصية أخرى تدعم جدول الأعمال الإقليمي الإيراني.

 ومن المنتظر أن يقوم العراق بإجراء انتخاباته العامة في الربيع المقبل ومن المنتظر أيضاً ألا يحرز أي فريق هناك إي انتصار ساحق؛ وبالتالي سوف تشهد بغداد مواجهة سياسية حاسمة خلال شهري أيار/ مايو وحزيران/ يونيو لدى قيامها بتشكيل حكومة جديدة. وسوف ترغب الجمهورية الإسلامية أن يكون لها كلمتها في مجال انتقاء رئيس الوزراء العراقي الجديد لكي تحافظ على نفوذها الحالي في ذلك البلد.

 لقد حددت منظمة حظر الأسلحة الكيميائية (OPCW) شهر أيار/ مايو 2014 كموعد لنقل الترسانة السورية من الأسلحة الكيميائية والتخلص منها. وتعتبر إيران اليوم لاعبا رائدا في سوريا لما تقدمه من دعم لقوات النظام من مقاتلين وأسلحة وتمويل. وبالتالي، سيكون لطهران التأثير القوي على تعاون وانصياع النظام السوري لقرارات وتدابير مفتشي OPCW.

 سيجهز مفاعل آراك النووي العامل بالمياه الثقيلة في منتصف العام المقبل 2014. وبالرغم من أن الاتفاقية المؤقتة تدعو إلى التوقف عن بناء موقع آراك، فإن المفاوضين الأميركيين يعترفون الآن بأن هنالك ثغرة في هذه الاتفاقية تسمح لإيران بمواصلة إنشاء مكونات مفاعل آراك في مناطق أخرى مختلفة. وكان ظريف والعديد من المسؤولين الإيرانيين قد رددوا خلال الأيام القليلة الماضية بأن آراك خط أحمر ولن يكون جزءًا من أية صفقة نووية. هذا وتجدر الإشارة إلى أن سجل دعم الخطوط الحمر لدى إيران يتمتع بمصداقية أكبر بكثير مما تتمتع به واشنطن في هذا السياق بحسب ما يقوله الكثير من المراقبين.

تأمل الولايات المتحدة الأميركية وحلف دول شمال الأطلسي NATO الحصول على التزام واضح من القادة الأفغان للاعتراف بالاتفاقية الأمنية التي لم يوافق الرئيس الأفغاني الحالي حميد كرزاي التوقيع عليها. فالولايات المتحدة الأميركية والناتو سيسحبان كافة قواتهما من هذا البلد في حال لم توقع الاتفاقية بحلول فصل الربيع. إذ أن نفوذ إيران في كابول قد بدأ يتعاظم منذ فترة غير وجيزة والإدراك الذي بدأ ينتشر بأن الغرب قد أصبح من القوى الماضية في الاضمحلال، يجعل الحكومة الأفغانية المقبلة تعقد علاقات أمتن مع إيران والقوى الشرقية الأخرى.
لذا، فمن الواضح الآن أن إيران سوف تستغل رغبة مجموعة الخمسة زائد واحد، وخصوصاً الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا في مجال مواصلة إجراءات تدعيم الثقة التي تقود إلى التفاوض على توقيع صفقة نووية مستدامة. ويترجم هذا النوع من المعالجات من قبل المراقبين الإقليميين على أنه الصفقة الكبرى التي طالما رفضتها الإدارة الأميركية السابقة على مدى سنوات عديدة. وليس من الواضح حتى الآن ما إذا كانت واشنطن قد قامت بأخذ العوامل الست السابقة بعين الاعتبار وما قد تعنيه بالنسبة للحلفاء الإقليميين الحاليين لإدارة أوباما ومصالحها المستقبلية في المنطقة. ولكنه من الواضح بأن أميركا لا تتعامل مع خصم من الوزن الخفيف في تعاملها مع إيران. بل على العكس، يبدو أن طهران تتقدم عنها بخطوات عدة في هذه اللعبة وهي جاهزة لتسجيل الفوز الساحق إذا ما واصلت واشنطن المضي في سياستها على هذا المنوال من مقاربة الأمر الواقع التي تعتمد على التجربة والخطأ.

وقد كانت ردود فعل المملكة العربية السعودية، توجيه الانتقادات المتزايدة لواشنطن والتوجه نحو المزيد من الارتباطات مع روسيا والصين مما يعتبر رسالة واضحة للولايات المتحدة بأنه لا يمكنها أن تعتبر ثقة حلفائها الحاليين أمر مفروغ منه. فالحرب العرقية/ الطائفية التي تجتاح المنطقة مع وقوف المملكة العربية السعودية وإيران على رأس طرفي النزاع الدائر هو أخطر بكثير مما تتصوره واشنطن. فالمملكة العربية السعودية تحتفظ بنفوذها القوي الآن في سوريا ولبنان والعراق ودول الخليج. ويؤمن العديد من المحللين بأن الرياض قادرة على الحصول على السلاح النووي إذا ما أرادت ذلك بمساعدة الباكستان، والتوصل إلى اتفاق دائم مع إيران الفارسية الشيعية دون إنهاء النزاع العرقي/ الطائفي في المنطقة سوف يضع الغرب في المعسكر الإيراني في منطقة واسعة من الصراعات السنية الشيعية.

وسوف يكون لذلك نتائج وخيمة على مصالح الغرب في العالم الإسلامي والعربي. لذا فمن الضروري العمل بجدية لدعوة المملكة العربية السعودية إلى محادثات P5+1. ويجب أن تشعر الرياض بأنها موضع احترام وبأنها عضو فاعل وملتزم في أي اتفاقية يتم التوصل إليها مع إيران. وسوف يكون لعملية الضم هذه تأثيراً إيجابياً فورياً على النزاعات في سوريا ولبنان والعراق وأفغانستان. بالإضافة إلى ذلك فدعوة المملكة إلى المرحلة المقبلة من محادثات P5+1 سوف يمنع انتشار الأسلحة النووية في المنطقة الأمر الذي سوف يساهم في تهدئة إسرائيل. على العموم فإن مجموعة P5+1 تحتاج إلى أن تكون المملكة العربية السعودية إلى جانبها كقدرة بناءة وإلا فإن المنطقة سوف تواصل غرقها في مستنقع من الصراعات والبؤس والمواجهات المريرة.

المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري -إينجما*

شارك الخبر: