SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

أغنس الحلو –
انخفض سعر النفط بشكل حاد في السنة الماضية وما يزال، ومن البديهي أن ينعكس ذلك على اقتصادات وموازنات أكثر الدول المصدّرة للنفط ونذكر من الدول العربية المتضررة أعضاء منظمة أوابك: السعودية، الكويت، ليبيا، الجزائر، البحرين، قطر، الإمارات، العراق، سوريا، مصر وتونس.
ويعتبر النفط من المواد الأولية التي يتأثر ويؤثر سعرها بشكل حاد بالأوضاع الأمنية والسياسية والإستراتيجية. ويلعب سعر النفط دورا أساسيا بعلاقات الدول ببعضها المعلنة منها والكامنة لذلك نشهد تحالفات بين دول تتشارك مصالح نفطية وحروبا بين دول تتنازع مطامع نفطية. إلا أن لسعر النفط أكثر من دلالة إقتصادية، فهو لا يقتصر على إرتفاع سعر البرميل اليوم وانخفاضه غداً، بل إنه يؤثر على البنى التحتية والموازنات الرئيسية للدول المصدّرة والدول المستوردة له. فهو يدخل في العديد من الصناعات ويأخذ حصة الأسد في معظمها وعلى رأسها الصناعات العسكرية. ولكن هل يقلب إنخفاض سعر النفط العالمي الطاولة على أبرز الدول المصنّعة والمصدّرة للأسلحة بحيث تتّجه الدول المستهلكة إلى الأسلحة الأقل كلفة؟ وبالتالي هل سيؤثر هبوط الأسعار في تعديل وجهة عقود التسلح العربية شرقاً لتلافي ضخامة الفاتورة الغربية؟
حتى الساعة، تستورد معظم دول “أوابك” الأسلحة بكمية كبيرة من الولايات المتحدة الأميركية وأوروبا. وبحسب معهد سيبري للسلام تصدرت في العام 2014 الدول التالية صادرات الأسلحة :
Infographic-1
وعلى الرغم من استحواذ الولايات المتحدة وحلفائها الغربيين على سوق الأسلحة العالمي في عام 2014، إلا أن مبيعاتهم تتراجع في حين تزدهر أعمال منافسيهم الروس، على ما أعلنت (سيبري) في 14 كانون الأول/ديسمبر عام 2015.
وشهد حجم أعمال الشركات المئة الأولى عالمياً في صناعة الأسلحة تراجعا للعام الرابع على التوالي، وسجّل هبوطاً في 2014 بـ 1,5% عما قبله، ما يوازي 401 مليار دولار، أي أكثر من 100 ضعف الميزانية السنوية لعمليات الأمم المتحدة لحفظ السلام. لكن رغم تأكيد الشركات التي مقارها في الولايات المتحدة وأوروبا الغربية أنها تسيطر على أكثر من 80% من السوق، فإن مبيعاتها سجلت تراجعاً بمعدل 3,2 نقاط مقارنة بالعام الفائت. وخرجت ثلاث منها من لائحة الشركات المئة الأولى.
وأكد معهد سيبري أنه “مع تراجع إجمالي بمقدار 7,4% من مبيعاتها للسلاح، فإن شركات أوروبا الغربية تشهد التراجع الأكبر في انعكاس للصعوبات الاقتصادية في المنطقة”. في المقابل، شهدت الشركات الـ36 التي تمثل سائر مناطق العالم في ارتفاعا لعائداتها بنسبة 25% في العام الفائت نتيجة ارتفاع بنسبة 50% لمبيعات الصناعة الروسية التي وردت منها نحو 19 شركة وفروعها على لائحة “سيبري”.
والشركات العشر الأول في تصنيع السلاح والخدمات الحربية، باستثناء الشركات الصينية، هي:

Infographic-2 وعلى الرغم من غياب الشركات الروسية عن لائحة الشركات العشر الأول إلا أن شركة ألماز- أنتاي تحل في المرتبة 11 مع حجم أعمال يبلغ 8,8 مليارات دولار. وتصنع الشركة القابضة الروسية خصوصاً صاروخ “بي يو كاي” الذي ذكر في إطار تحطم الطائرة الماليزية بوينغ777 في 17 تموز/يوليو 2014 في اوكرانيا. ويخصص قسم كبير من الإنتاج الروسي للقوات المسلحة في البلاد، لكنه يشمل أيضا الكثير من الزبائن الكبار حول العالم بينهم الهند والصين، الخصمان اللذان يبقيان في طليعة سباق التسلح.
وأفاد الخبير في النفقات العسكرية في “سيبري” سايمون ويزيمان أن سوريا لا تزال تحصل على السلاح من موسكو منذ حقبة الاتحاد السوفياتي، لكنها “لم تعد تتلقى الكثير اليوم”. فبعد نحو خمس سنوات على بدء نزاع أسفر عن مقتل أكثر من 250 ألف شخص ودفع بالملايين إلى النزوح، أوضح ويزيمان أن سوريا لم تعد “تملك الموارد” لتجهيز نفسها لمواجهة فصائل المعارضة وجهاديي تنظيم الدولة الإسلامية، مضيفاً “يقول الروس بشكل عام: إدفعوا فنسلمكم، وإلا فلن نفعل”.
لم تتضرر مبيعات الأسلحة الروسية كثيرا من العقوبات الدولية التي فرضت عليها، بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم الأوكرانية في آذار/مارس 2014، وعموماً يؤكد ممثلو القطاع الدفاعي أن هذا الأمر شجع روسيا على البحث عن أسواق جديدة وتطوير تكنولوجيات إضافية. وتلفت مؤسسة الأبحاث إلى أن مبيعات الصناعة الفرنسية تراجعت بنسبة 11,3% نتيجة تراجع مبيعات صانع الطائرات داسو (-29,3%) ومجموعة تاليس لإلكترونيات الدفاع (-17,4%). مع الملاحظة أن التقرير صدر قبل الإعلان عن مبيعات “داسو” خلال العام 2015 وأهمها عقد بيع 24 طائرة رافال الى مصر وعقد مماثل وقع مع قطر، وما زالت الشركة تأمل في الحصول على زبائن خليجيين جدد، بحيث تقترب المفاوضات مع الإمارات العربية المتحدة الى نهايتها للتوقيع على عقد بقيمة 15 مليار دولار لشراء ستين مقاتلة رافال، والعقد الأكبر الذي تصبو المملكة العربية السعودية الى توقيعه يشمل 72 مقاتلة. هذا بالإضافة الى الوعود التي لم تترجم بعد لصفقة كبيرة مع الهند.
ولم تشمل تقديرات “سيبري” كذلك الصناعات الدفاعية الصينية ” وذلك للافتقار إلى بيانات تتيح إجراء تقديرات مقبولة”.
ولعلّ الجدول البياني الثالث يظهر التغيّرات في تصدير الدول للأسلحة، مما يبيّن إرتفاعا في مبيعات أسلحة روسيا واليابان وكوريا الجنوبية وألمانيا، في حين تراجعت مبيعات الولايات المتحدة الأميركية، والمملكة المتحدة، وفرنسا وإيطاليا والهند.
وفي ظل هذه المعلومات، نشهد تقاربا عربيا روسيا ملحوظاً، وخاصة في سوق الأسلحة. فالحضور الروسي كبير في كافة المعارض العربية للدفاع والسلاح بما فيها معرض البحرين الدولي للطيران، ومعرض الكويت للطيران، ومن قبلهما معرض دبي للطيران. ولعلّ إعجاب ملك البحرين الشديد بمقاتلة “تي 50 الروسية” في معرض البحرين الدولي للطيران 2016 خير دليل على نجاح الإستراتيجيات الروسية في الحصول على حصة ضخمة في سوق الأسلحة العربية. والجدير بالذكر هنا، أن ملك البحرين قرر زيارة روسيا في شباط/ فبراير وتأمل الشركات الروسية التداول في مسألة شراء أسلحة روسية في هذه الرحلة. ولكن هذه المقاتلة من الجيل الخامس”تي 50″ لن يبدأ تصديرها قبل عام 2020.
وكانت مجلة “ناتشونال انترست” (The National Interest) قد ذكرت أن أول من سيشتري مقاتلة سو-Su-34) 34) بعيدة المدى في الغالب ستكون الجزائر، خاصة بعد الأداء الذي قدّمته المقاتلة في العمليات العسكرية في سوريا. ونقلاً عن وكالة أنباء موسكو، وفقاً للمجلة، أثبتت روسيا في عملياتها العسكرية في سوريا قوة أسلحتها، مرجحة أنه في نهاية المطاف سوف تحل المقاتلة سو- 34 مكان سابقتها سو- 24، ومشيرة إلى أن المشترين المحتملين سيهتمون كثيراً بالخصائص التقنية للطائرة الجديدة.

 

Infographic-3
يُشار إلى المقاتلة الروسية سو- 34 تمتلك مواصفات تقنية وتكتيكية تضمن تفوِّقها على مثيلاتها في بعض المؤشرات. مثل الرادار الذي يعطي إنذار مبكر عند اقتراب الخطر. هذا وكان المدير العام للشركة الروسية المتحدة لتصميم الأجهزة ألكسندر ياكونين لفت إلى ازدياد طلبات أجهزة التشويش لحماية السيارات والمدرعات وغيرها من المنشآت من العبوات الناسفة التي يتم التحكم بها لاسلكيا، مشيراً الى أن الزبائن الأساسيين لهذه الأجهزة في الشرق الأوسط هم الجزائر وإيران ومصر.
ومن خارج المنظومة العربية، لا بد من الإشارة هنا الى الإنحياز الإيراني الى اسواق البلدان الشرقية رغم تهافت كبير للشركات المصنعة للأسلحة على استحواذ هذا السوق الناشئ، لا سيما بعد ازالة العقوبات الدولية التي كانت مفروضة على الحكومة الإيرانية بموجب قرارات الأمم المتحدة بنتيجة غموض البرنامج النووي الإيراني. ويلفت الإنتباه ما يتسرب من معلومات حول عقود يجري تحضيرها بين طهران وموسكو تفوق قيمتها العشرين مليار دولار أميركي وتشمل امكانية تصنيع الدبابة تي 72 في ايران وتوجه ايراني لشراء المقاتلة الروسية “سو 30” الموازية لمثيلتها “أف 15” قوام سلاح الجو السعودي.
أما بالنسبة للمملكة العربية السعودية التي صُنفت في المركز الرابع في الإنفاق العسكري العالمي عام 2014 بحسب معهد سيبري للسلام، فيبدو انها تتوجّه لشراء الأنظمة العسكرية الروسية. فهي أبدت الرغبة في شراء أسلحة روسية بقيمة تبلغ 10 مليارات دولار، بما في ذلك أنظمة الدفاع الجوي الحديثة ومعدات طيران متنوّعة، كما أعلنت صحيفة “كوميرسانت” الروسية، في 18 كانون الثاني/يناير الجاري. فالسعودية التي تمتلك صواريخ باتريوت باك-3 الأميركية تبدي اليوم اهتماما بصواريخ “إسكندر”، ومنظومة الدفاع الجوي “أس– 400” الروسيتين.
وفي ظل التقارب العربي الشرقي تم توقيع اتفاقيات الأمن الإلكتروني في الریاض بين السعودیة وأمیركا وكوریا والصین. أما بالنسبة للكويت فقد تسلّمت من روسيا في 10 كانون الأول/ديسمبر آخر دفعات عربات قتالية مدرعة من طراز “بي إم بي-3إم” و”بي إم بي-3كا” كانت تعاقدت على شرائها في عام 2012. وقال سيرغي غوريسلافسكي، نائب المدير العام لشركة تصدير الأسلحة الروسية “روس أوبورون إكسبورت”، لـوكالة “سبوتنيك” الروسية، إن “الدفعة الختامية” وصلت إلى الكويت في بداية شهر تشرين الثاني/نوفمبر الماضي. كما قدمت روسيا اقتراحا إلى الكويت لتحديث ما تمتلكه قواتها المسلحة من مدرعات “بي إم بي- 2″ و”بي إم بي- 3” التي استلمتها الكويت في ثمانينات القرن العشرين. وقال غوريسلافسكي إن “الطرف الكويتي يبحث هذا الاقتراح”.
وليس من الغريب أن تحتل روسيا المركز الثاني بعد الولايات المتحدة الأميركية في تسليح الجيش العراقي، فقد وقّعت في عام 2014 عقوداً لتسليم العراق دفعة كبيرة من المدافع وراجمات الصواريخ والذخائر. وتسلمت القوات الجوية العراقية في نهاية كانون الثاني/ يناير 2015 أربع مروحيات روسية من طراز مي- 28 المعروفة بالصياد الليلي وكذلك ” م 35″ من أصل صفقة مبرمة بين البلدين فاقت قيمتها الأربعة مليارات من الدولارات.
كما ستحصل مصر على 46 مروحية “كا-52ك” “أليغاتر (Ka-52 Alligator)روسية، وفق ما أعلنه المدير العام لشركة “روسيا للمروحيات” (Russian Helicopters) ألكسندر ميخييف في 30 كانون الأول/ ديسمبر. وقال ميخييف بحسب وكالة نوفوستي”أبرمت في العام المنصرم اتفاقات جديدة مع مستخدمي تقنيات مروحية من الروس والأجانب، ووقعت “روس أوبورون إكسبورت” مع مصر اتفاقا كبيرا لتوريد مروحيات كا-52 ك أليغاتر (التمساح)”.
وفي حين تعتبر الأسلحة الأميركية باهظة الثمن، تبقى الأسلحة الروسية ملاذاً للدول التي تسعى لتعزيز ترسانتها العسكرية بأقل كلفة ممكنة. وعلى الرغم من الإرتفاع في موازنات الدفاع في العالم بسبب تفشي ظاهرة الإرهاب إلا أن أكثر الدول التي تشهد ازديادا في الإنفاق العسكري هي الصين وروسيا. فبعد انخفاض في السنوات السابقة عاد الإنفاق الإجمالي في العالم ليسجل 1650 مليار دولار عام 2015 كشف معهد جينز المتخصص في تقريره في نهاية عام 2015.
وبحسب التقرير الذي أحصى 104 بلدان تمثل 99% من الإنفاق العالمي على الدفاع أن “النفقات العالمية على صعيد الدفاع سترتفع من 1650 مليار دولار عام 2015 إلى 1680 مليار دولار عام 2016”.
ولعلّ لجوء الدول المصدّرة للنفط إلى استيراد الأسلحة الرخيصة يعود إلى التدني الكبير في سعر النفط عالميا. وشهد سعر النفط تراجعا دراماتيكيا في شهر تشرين الأول/ أوكتوبر لعدّة أسباب. من ابرز هذه الأسباب هي إغراق السوق بالنفط أي ازديادا هائلا للعرض وخاصة بعد أن سيطر تنظيم داعش على حقول نفطية ضخمة، وامن التمويل لعملياته العسكرية من بيع النفط ولو بأسعار متدنية جدا.
فقد انخفضت أسعار النفط إلى أقل من النصف في أقل من سنة واحدة ليصل إلى مستويات متدنية لم يصلها منذ الركود الإقتصاد العالمي.
ومن الأمور المربكة للإقتصاد العالمي والمحيرة أن تفقد هذه السلعة الأساسية حوالي 80 دولارا من سعر البرميل فى 18 شهرا. وتترقب الأسواق المزيد من الإغراق مع وصول معروض إضافي من النفط الإيراني بعد رفع العقوبات عن ايران بموجب الإتفاق الدولي في موضوع النووي الإيراني. ومع الهبوط الحاد للاسعار، يتساءل الجميع عن القاع او ما هو اقل سعر يمكن ان يصل له سعر برميل النفط فى عام 2016؟
يمكن التكهن بأسباب انخفاض سعر النفط، وفق الخبير الدكتور سليمان القطاف، كالتالي: “تنامي انتاج اوبك وروسيا رغم الانخفاض الكبير بالاسعار، وحالة الاقتصاد الصيني، وزيادة الانتاج الاميركي للنفط والسماح بتصديره، واخيراً قوة الدولار ولاسيما ان الدولار هو العملة الرئيسية التي يتعامل بها بأسواق النفط العالمية.”
وإذا كان النفط هو المورد الأساسي لكثير من الدول العربية ،كما أشرنا آنفاً، وإذا كانت روسيا تسعى جاهدة لدخول أسواق السلاح العربية وعقد شراكات متينة بين شركات السلاح الروسية (التي يتبع معظمها للدولة) وبين الدول العربية، فليس من الغريب أن تنحاز عقود التسلّح من أميركية وأوروبية إلى روسية وكورية وصينية.
ولكن هل سنشهد في المستقبل القريب صناعات عسكرية عربية – روسية مبنية على تعاون بين المواد الأولية والموارد العربية والتقنيات الروسية المتطوّرة، واين العملاق الصيني من تلك التطورات ؟

شارك الخبر: