يلاحظ المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري «إينجما» رياض قهوجي في مقابلة مع جريدة الجمهورية نشرت يوم السبت 10 كانون الأول/ ديسمبر 2011 “أن احتمالية اندلاع حرب إقليمية تزداد مع ارتفاع وتيرة الأزمات في المنطقة، وهي غير محصورة بمسار الأزمة في سوريا”، ويعتبر “أن تركيا هي في موقع طبيعي ممتاز لشن أيّ عمل عسكري منفرد أو في إطار تحالف دولي ضد سوريا”. ويقول: “لا أعتقد أن القطع البحريّة الروسية الموجودة في البحر المتوسط قادرة على التدخّل لإنقاذ النظام عسكريا، ولا أعتقد أن روسيا في وارد الدخول في حرب مع الغرب، أو مع تركيا لإنقاذ النظام السوري”.
وصل الاحتقان الإقليمي حول الأزمة السورية الى حدود غير مسبوقة، فما هي نسبة اندلاع مواجهة عسكرية إقليمية بحسب تحليلكم؟
ـ إحتمالية اندلاع حرب اقليمية تزداد مع ارتفاع وتيرة الأزمات في المنطقة، وهي غير محصورة بمسار الأزمة في سوريا. تسارع الأمور في المنطقة يجعل عملية التوقع مهمة صعبة على أي مسؤول أو محلل. فالمعطيات تتبدل
يوميا كما أن الأحداث وردود الأفعال عليها تلزم المراقبين بإعادة حساباتهم في استمرار. إن استمرار وتيرة العنف المتصاعد في سوريا سيولد مزيدا من العنف المضاد ويضعف احتمالات الحل السياسي، وبالتالي احتماليات تدويل الأزمة تتزايد. وإقدام المجتمع الدولي على انشاء منطقة عازلة أو ممرات أمنية هو تدخل عسكري سيعرض قوات النظام السوري الى مصير شبيه بالذي واجهته قوات القذافي في ليبيا. قد تمتلك سوريا قوات عسكرية أكبر من الليبية وأكثر حداثة، إلّا أن ميزان القوى ليس لمصلحتها في مواجهة قوات تركية معززة بقوى غربية وعربية. إن الجيش التركي وحده قادر على تنفيذ أي مهمة عسكرية في سوريا، لأن تركيا تمتلك تفوقا نوعيا وعدديا ضد القوات السورية. وعلينا أن نتذكر أن القوات السورية تعاني من انشقاقات حادة ومن انهيار في معنويات غالبية جنودها نتيجة الأحداث الجارية هناك، وبالتالي فإن قدرة النظام السوري اليوم على خوض حرب ضد قوات نظامية كالجيش التركي مثلا، هي ضعيفة جدّا. والانقسام المذهبي في سوريا سيثني النظام عن استدعاء الاحتياط المؤلف بغالبيته العظمى من عناصر سنية خوفاً من انقلابها عليه، وبالتالي لن يكون النظام قادرا على شن حرب ضد أي خصم شمالا أو جنوبا .
“صانع الملك ”
من هم أبرز اللاعبين المؤثّرين في المنازلة في سوريا؟ وما هي حساباتهم ومصالحهم؟
ـ تُعتبر سوريا من الدول الأساسية والمؤثرة في المنطقة، وبالتالي فإن نتيجة الصراع القائم فيها حاليا ستؤثر كثيرا على موازين القوى ومجريات الأمور في المنطقة. تركيا التي تسعى الى أن تكون مركز الثقل والقوة الأولى في الشرق الأوسط ستستفيد من لعب دور “صانع الملك” في سوريا، إذ إن امتلاكها نفوذا قوياً لدى الحكومة السورية المستقبلية سيؤمن لها سوقاً لصناعاتها ومدخلا لأسواق أخرى في لبنان والعراق والأردن. كما أن نفوذ تركيا في لبنان سيزيد مع نمو نفوذها في سوريا، نظرا للتأثير الكبير الذي تملكه دمشق على بيروت. إن الترابط السكاني والجغرافي بين تركيا وسوريا يحتم على أنقرة التدخل في الوضع السوري لتفادي أي تهديد لأمنها القومي . سيكون المكسب التركي في سوريا على حساب ايران التي ستكون الخاسر الأكبر في حال سقوط النظام السوري الذي يشكل جسر العبور الأساسي لطهران الى العمق العربي وشريان الحياة لأهم أعضاء المحور الايراني، أي حزب الله. سقوط نظام بشّار الأسد سيدمر سنوات من التخطيط الاستراتيجي والانجازات لسياسة طهران في المنطقة ويفقدها أوراقا مهمة في القضية الفلسطينية والعراق وحتى لبنان . لذلك، فإنه من المتوقع أن تحاول ايران حتى آخر لحظة انقاذ النظام السوري لكن دون الوصول الى حد شن حرب اقليمية. والبراغماتية التي يتمتع بها النظام الايراني ستدفعه الى محاولة التعويض عن خسارة سوريا بزيادة نفوذه في العراق، مع محاولة استدراج المعارضة السورية الى حماية مصالحه. أما اسرائيل فهي الأكثر قلقا من تداعيات الأمور في سوريا، خصوصا في ضوء مجريات الأمور في مصر والأردن. لطالما كانت اسرائيل من أكبر حماة النظام السوري من خلف كواليس مراكز صناع القرار في أميركا وأوروبا. كما أن واشنطن، وبضغط اسرائيلي، تعمل منذ اليوم الأول للثورة السورية على لجم رد الفعل الدولي منعا لتكرار تجربة السيناريو الليبي. إذ إنّ آخر ما تريده اسرائيل هو انتشار الفوضى والميليشيات المسلحة في سوريا وانهيار الدولة فيها نظرا لما يحمله هذا الأمر من مخاطر على حدودها في الجولان وجنوب لبنان. إن اسرائيل تريد تغييرا سريعا ومنظما للقيادة السورية مع المجيء بحكومة تبقي الوضع في الجولان مجمدا وتلتزم بعملية السلام. من ناحية أخرى يشكل سقوط النظام السوري فرصة كبيرة لإسرائيل للاستفراد بحزب الله الذي سيعاني بدوره من انقطاع خطوط الامداد السورية في أي حرب مستقبلية. أما السعودية وقطر فستسعيان لاستعادة سوريا الى مخيم الإجماع العربي وفصلها عن التحالف الاستراتيجي مع ايران الذي يرون فيه ضررا بالمصالح العربية. ومن ناحية روسيا فإنها تسعى جاهدة الى إبقاء آخر حلفائها التقليديين في الشرق الأوسط حيث يمثل ميناء طرطوس السوري آخر قاعدة بحرية لروسيا على البحر المتوسط. كما أن سوريا تشكل سوقا أساسية للصادرات العسكرية الروسية، وسيشكل سقوط النظام خسارة كبيرة لموسكو ومكسبا مهما لأميركا والغرب وصناعاتهما التكنولوجية والعسكرية .
بحسب التقارير والمعطيات الفعلية، هل ترى أن التموضع العسكري التركي والأطلسي هو تمهيد لتدخل عسكري شمال سوريا تحت ستار منطقة عازلة لحماية المدنيين؟
ـ تركيا هي في موقع طبيعي يلائمها لشن أي عمل عسكري منفرد أو في إطار تحالف دولي ضد سوريا. طبعا سيشكل طلب اقامة منطقة عازلة أو ممرات آمنة غطاء للتدخل العسكري في سوريا .
الأسطول الأميركي
ما هي طبيعة وحجم الأساطيل الأميركية قبالة السواحل السورية؟ وهل تعتبر قوة هجومية أم أن انتشارها هو مجرد ضغط؟
ـ تنتشر قبالة السواحل السورية قطع بحرية من الأسطول السادس الأميركي المتمركز في البحر المتوسط. وحسب المعلومات المتوافرة تقود حاملة الطائرات جورج دبليو اتش بوش تلك القطع البحرية. أعتقد أن مهمة هذه القوة في حال أي تدخل عسكري دولي في سوريا ستكون محصورة بالإسناد اللوجستي والاستخباراتي فقط، بالاضافة الى توفير مظلة دفاع مضادة للصواريخ البالستية التي قد تطلقها سوريا أو ايران ضد اسرائيل أو تركيا . فالمدمرات الأميركية المرافقة للحاملة مزودة بمنظومات “أيجس” المتطورة المضادة للصواريخ البالستية وهي أكثر فاعلية من الباتريوت .
إذا كان الموقف الروسي في مجلس الأمن شكل حاجزاً أمام قرارات أممية ضد النظام السوري، فهل تعتبر أن حركة الاساطيل الروسية ومواقفها المعلنة تشكل مانعاً أمام أي تحرك أطلسي ضد دمشق؟
ـ لا أعتقد أن القطع البحرية الروسية الموجودة في البحر المتوسط قادرة على التدخل لإنقاذ النظام عسكريّا، ولا أعتقد أن روسيا في وارد الدخول في حرب مع الغرب أو مع تركيا لإنقاذ النظام السوري .
في المقابل تتحدث التقارير الصحافية عن نشاط استخباري ملفت لدعم معارضي النظام السوري، فهل من تفاصيل إضافيّة حول هذه المسألة؟ وهل النية لتدريب وتشكيل تكتل عسكري سوري مناهض للنظام قابلة للتنفيذ؟
ـ حجم الانشقاقات المتزايد في صفوف الجيش السوري يزيد تدريجا من حجم الجيش السوري الحر. كما يتوقع أن تحدث انشقاقات على مستوى كتائب وألوية في حال انشاء المنطقة العازلة. هذا سيوفر جيشاً نظاميا مدرباً للقوى المعارضة يغنيهم عن تدريب ميليشيات كما كان الحال في ليبيا. علينا أن نتذكر أنه نظرا لوجود اسرائيل على الحدود السورية فإن سيناريو الفوضى ونشر المليليشيات المسلحة ممنوع في سوريا، حيث ستحصر المهمات العسكرية في شكل أساسي بقوات جيش سوريا الحر .
حسابات حزب الله
ما هي حسابات حزب الله؟ وما مدى صحة التقارير عن دعم مباشر لقوى حفظ النظام؟
ـ لم أشاهد حتى الآن أي إثباتات على تورط حزب الله في شكل مباشر في دعم النظام السوري. موقف حزب الله من مجريات الأوضاع في سوريا واضح، وقد أعلنته قيادات الحزب مرارا. حزب الله يراهن على صمود النظام السوري، ويرى أن عملية اسقاط النظام السوري هي من الناحية العسكرية كإنزال عسكري غربي في خطوطه الخلفية ومحاولة لعزله عن ايران. لذلك من الطبيعي أن يعمل جاهدا على منعها. لكني أعتقد أن الحزب يدرك مدى صعوبة الأمر بالنسبة الى النظام السوري وأن احتمالات سقوطه باتت واردة، وبالتالي فإن الحزب سيركز بشكل أساسي على وضع استراتيجيّة جديدة تضمن استمراريته بعد زوال الحكم في سوريا. يملك الحزب أوراقا سياسيّة عدّة يمكنه الاعتماد عليها لضمان استمراريته، ولكنّه سيحاول جاهدا تفادي الدخول في حرب مع إسرائيل قد تكون مدمرة له .
التدخل الخليجي
تسرّبت معلومات عن امكانيّة مشاركة خليجية مباشرة في أي حظر جوّي قد يفرض على سوريا وحتى ألوية للمشاة انطلاقاً من الاردن، فهل ترى ذلك ممكناً وهل من معلومات اضافيّة في هذا الموضوع ؟
كيف تقوّم موازين القوى اليوم؟ وهل هناك توازن بين الجيش السوري والايراني وحزب الله في مواجهة مقابل تركيا والناتو؟ وأين إسرائيل من كل ما جرى ويجري؟
ـ طبعا لا مجال للمقارنة بين قوة سوريا وايران وحزب الله من جهة وقوة الناتو التي تضم أميركا وتركيا. فالأخيرة قادرة على تدمير الطرف الآخر خلال فترة زمنية ليست بطويلة. وطبعا ستزيد قوة هذا الطرف اذا أضفنا اسرائيل الى المعادلة. لا أعتقد أن اسرائيل ستدخل أية مواجهة مع سوريا إذا تعرضت أراضيها لقصف سوري نتيجة فرض المجتمع الدولي منطقة عازلة على الأراضي السوريّة. لكني أعتقد أن اسرائيل سترد وبشراسة قد تصل الى حدّ الاجتياح العسكري في حال إقدام حزب الله على مهاجمتها خلال فترة سقوط النظام السوري أو في الفترة التي ستليه مباشرة. وقد تعمد اسرائيل الى استفزاز حزب الله لجره الى حرب. اسرائيل دولة انتهازية وستحاول قدر المستطاع الاستفادة من مجريات الأحداث لإنهاء البرنامج النووي الايراني وإضعاف أو انهاء حزب الله إن استطاعت .
إذا وقعت حرب اقليميّة، لا سمح الله، أين هو مسرحها الأساسي؟ وكيف تتوقع نتائجها؟
ـ هذا يتوقف على ظروف شرارة الحرب ومكان انطلاقها. فقد تكون في لبنان، وقد تكون في لبنان وسوريا، وقد تكون في هجوم على ايران يشعل الخليج والشرق الأوسط بأسره. من الصعب توقع نتائج هذه الحرب، لكنها حتما ستلحق خسائر بشرية ومادية كبيرة وسترفع اسعار النفط والغاز عالميّا، وقد تتطور لتكون نووية .
* مقابلة مع جريدة الجمهورية نشرت يوم السبت 10 كانون الأول/ ديسمبر 2011