رياض قهوجي**
كشفت مصادر مسؤولة في كل من إيران وتركيا أن طهران قد أبلغت أنقرة انزعاجها الشديد من موافقتها على طلب حلف الشمال الأطلسي (ناتو) نصب رادار للإنذار[*] المبكر من الصواريخ البالستية في منشأة عسكرية قرب ملاطيا، في جنوب-شرق تركيا قرب الحدود الإيرانية.
وأفاد مسؤولون عسكريون غربيون بأن هذا الرادار الذي سيبدأ العمل خلال أيام، سيسمح للناتو برصد أي عملية لإطلاق صواريخ بالستية من داخل إيران من لحظة انطلاق الصاروخ، ما سيساعد على تحديد وجهة الصاروخ بسرعة والعمل على اعتراضه بواسطة أنواع مختلفة من الصواريخ المضادة للصواريخ، مثل باتريوت وثاد وأم أس-3 التي تقوم الولايات المتحدة ودول الناتو ودول حليفة أخرى بنشرها، في أجزاء مختلفة من أوروبا وآسيا والخليج العربي.
إلا أن الطلب الإيراني لم يلق أي آذان صاغية في أنقرة، حيث أفادت بعض الجهات المسؤولة فيها بأن تركيا تشعر بقلق متزايد من احتمال إقدام إيران على بناء رؤوس نووية.
وأضافت تلك الجهات بأن تركيا تعارض بشكل كبير امتلاك ايران لأي سلاح نووي، وهي تستعد لهذا الاحتمال الذي قد يؤدي إلى سباق تسلح نووي في المنطقة.
وكان مسؤول عسكري إيراني هدد في وقت سابق بأن رادار الناتو في تركيا سيكون أحد المواقع التي ستستهدفها الصواريخ الإيرانية، في حال تعرضت المنشآت النووية الايرانية إلى أي هجوم من قبل إسرائيل أو أميركا.
وحسب مصادر تركية مطلعة، فإن تركيا أوصلت رسائل واضحة لطهران بأنها لن تسمح بأي اعتداء على إيران انطلاقا من أراضيها، ولكنها سترد بحزم على أي اعتداء على تركيا.
وكانت العلاقات بين تركيا وإيران شهدت في الآونة الأخيرة تدهورا كبيرا، نتيجة اختلاف وجهات النظر حول الأوضاع في سوريا.
ومع الرادار في تركيا، تكون حلقة الرادارات لمنظومة الإنذار المبكر للقوى الغربية وحلفائها في المنطقة قد اكتملت حول إيران، خصوصا من الشمال والغرب والجنوب، ما يتيح لها قدرة أكبر على التعامل مع الترسانة المتعاظمة للصواريخ الباليستية الإيرانية.
ويلاحظ المراقبون تسريعا لعمليات نصب أنظمة الرادار ووصلها مع بعضها البعض بشبكات اتصال مشفرة ومتقدمة، وشبكها مع منصات صواريخ برية وبحرية مضادة للصواريخ الباليستية. ويعزو المراقبون ذلك إلى تصاعد وتيرة الأحداث والتهديدات في المنطقة، لاسيما في ما يخص برنامج إيران النووي.
كما يشكك المراقبون في إمكانية إقدام إيران على استهداف أي منشآت عسكرية داخل تركيا نظرا لحجم الرد الذي قد يأتي، خصوصا أن تركيا ليست بخصم عادي.
فتركيا متفوقة على إيران تكنولوجيا وجويا وبحريا، وعدد قواتها المسلحة (مليون ومئة ألف بما فيهم الاحتياط) أكبر، كما أنها أقوى بكثير اقتصاديا وتتوازى مع إيران بعدد السكان.
بالإضافة إلى ذلك، فإن تركيا عضو في الناتو؛ وبالتالي أي اعتداء عليها سيضع إيران في مواجهة عسكرية مباشرة مع القوى الغربية كافة تقريبا.
كما أن تركيا تملك علاقات استراتيجية مع غالبية دول وسط آسيا الناطقة باللغة التركية، ما سيضع إيران في وضع حرج مع جيرانها كافة.
وعليه، فإن تقدير الخبراء بأن دخول إيران في مغامرة عسكرية مع تركيا ستكون خاسرة ومدمرة لطهران عسكريا واقتصاديا وسياسيا.
إذا ما أُخرجت إسرائيل من المعادلة نظرا لارتباطها العضوي مع أميركا، فإن تركيا تشكل اليوم أقوى قوة إقليمية في الشرق الأوسط دون منازع، وهي تسعى لتعزيز هذا الدور وترجمته عبر بسط نفوذها الاقتصادي والسياسي في المنطقة.
ويعتقد بعض المحللين الأتراك بأن امتلاك إيران لسلاح نووي سيؤثر على هيبة ونفوذ تركيا في المنطقة، ما قد يضطرها إما لاقتناء برنامج نووي أو إلزام دول الناتو بتزويدها رؤوسا نووية تكون تحت سيطرتها المباشرة لتشكل رادعا لإيران.
ولا يبدو أن تركيا مستعدة اليوم للتراجع أو التخلي عن المكانة التي وصلتها في المنطقة، ما يضعها على مسار تصادمي مع إيران يرُجح أن يبقى سياسيا واقتصاديا، مع احتمال ضئيل لتطوره عسكريا.
* نشر هذا المقال في جريدة الحياة في 31-12-2011
** الرئيس التنفيذي لمؤسسة إينجما