رياض قهوجي **
يبدو أن طلب أنقرة من حلف شمال الأطلسي (ناتو) نشر بطاريات صواريخ “باتريوت” المضادة للصواريخ البالستية كان قيد التداول منذ فترة، ويستهدف[*] تأمين منطقة حظر جوي في شمال سوريا، دون الحاجة إلى نشر أي دفاعات أرضية في الداخل.
كما أن إشراك “الناتو” سيوفر غطاء دولياً لتركيا في أي عمل عسكري قد تجد نفسها مضطرة إلى التورط فيه داخل سوريا، وستؤمن هذه الصواريخ دفاعاً جيداً ضد ترسانة سوريا من الصواريخ البالستية.
وأهم ما ستوفره صواريخ “باتريوت” هو دفاع جوي في العمق السوري إذ تستطيع هذه الصواريخ إسقاط المقاتلات السورية التي تحلق على ارتفاعات متوسطة في عمق يصل حتى خمسين كيلومتراً في الداخل، أي أنها ستوفر غطاء جوياً لغالبية مدن وبلدات محافظتي حلب وإدلب، وأجزاء كبيرة من محافظتي الرقة واللاذقية.
وسيمكن هذا الأمر عدداً من اللاجئين السوريين، الذين تجاوز عددهم الآلاف داخل المخيمات التركية، من العودة إلى قراهم وبيوتهم في شمال سوريا، أو الانتقال إلى مخيمات فيه؛ ما يخفف العبء الاقتصادي والاجتماعي والأمني الكبير الذي تتحمله تركيا اليوم نتيجة تواجدهم على أراضيها.
يُشار إلى أن التقدم الكبير الذي يحرزه الثوار ميدانياً على رغم شراسة رد النظام السوري، يعود إلى وفرة العنصر البشري ودفاعات أرضية، أرغمت سلاح الجو السوري على شن غارات من ارتفاعات تزيد على أربعة كيلومترات لتكون خارج مرمى المضادات الأرضية التي تمكنت من إسقاط عدد كبير من المقاتلات والمروحيات في الشهور الأخيرة.
وتعمد الطائرات السورية اليوم إلى تنفيذ ضربات استراتيجية تستهدف الأماكن السكنية، بهدف إثارة المدنيين وتأليبهم ضد الثوار، من أجل إفقادهم الدعم الشعبي وحرية التحرك الآمن في المدن والقرى التي يسيطرون عليها.
وعادة ما تُستخدم الضربات الاستراتيجية بين دول متحاربة، وقلما شهدها العالم من قبل نظام ضد شعبه، باستثناء ما أقدم عليه نظام “البعث” في العراق أواخر الثمانينات ومطلع تسعينات القرن الماضي، وما قام به نظام معمر القذافي في ليبيا قبل سقوطه.
إلا أن حدة شراسة قصف النظام السوري اليوم قد فاقت أسلافه من الديكتاتورات العرب.
ولا تؤثر الغارات الجوية بشكلها الحالي تكتيكياً في مسار العمليات العسكرية، خصوصاً مع افتقار سلاح الجو السوري إلى أي صواريخ أو قنابل ذكية واضطراره لتنفيذ غارات من ارتفاعات متوسطة.
وقد مكن هذا الأمر مقاتلي المعارضة من متابعة تقدمهم وطرد جنود النظام من أماكن عدة على جبهات القتال كافة، خصوصاً في الشمال وحول العاصمة.
وإذا ما أخذ بالحساب استمرار تقدم الثوار وتحسن قدراتهم القتالية، وتزايد أعدادهم وامتلاكهم الأسلحة الثقيلة والمتوسطة، مقابل تواصل تراجع قوات النظام وافتقارها لقوات بشرية للسيطرة على الأرض، وازدياد غضب الشارع ضدها، قد تصب المعادلة في مصلحة الثوار؛ ما يعني أن حتمية سقوط النظام باتت مسألة وقت، بغض النظر عن التدخل الدولي الذي سيؤدي فقط إلى تسريع عملية الحسم وإخراج النظام وتوفير سقوط المزيد من الضحايا.
ويعول الثوار على انتهاء الانتخابات الرئاسية الأميركية للتأثير في قرار واشنطن بتسريع التدخل الدولي لوقف آلة القتل، ومنع انتشار الميليشيات الإسلامية المسلحة المتطرفة بين الثوار.
*جريدة الحياة – الجمعة ٩ تشرين الثاني/ نوفمبر 2012
** المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينجما)