أغنس الحلو
في حين كل الأبصار شاخصة نحو سوريا ، فبين الطلعات الجوية الروسية والأميركية تحتل أخبار[*] سوريا الصدارة بين كل الأخبار العالمية، حري بنا أن نتعمّق بتكاليف الطلعات الجوية الغربية. فكما هو معلوم أن أكثر قطاعات العالم بهظا هو القطاع العسكري لكننا نشهد اليوم سباقا في التسلح والضربات الجوية بين الدول الغربية، قد كون الهدف منها التخلّص من إرهاب يجتاح العالم وقد يكون لها أهداف أخرى ذات بعد إقتصادي. فما هي العلاقة بين الكم الهائل من الصفقات التي تعقدها دول الخليج للتسلح وعلى رأسها المملكة العربية السعودية وبين تضخّم الموازنات العسكرية الغربية بسبب سوريا؟
قد يفيدنا الإستناد إلى الأرقام في هذا التحليل.
ففي الولايات المتحدة نقلت مصادر إعلامية أميركية عن وزارة الدفاع الأميركية (بنتاغون) أن تكلفة العمليات العسكرية الأميركية في سوريا والعراق يوميا تصل إلى حوالي 9 ملايين دولار. وتكلفة الحرب على “داعش” منذ انطلاقها قبل حوالي أكثر من عام وحتى شهر آب/ أغسطس الماضي وصلت إلى 2.74 مليار دولار، حوالي 67 بالمائة منها للقوة الجوية الأميركية فقط.
أما من ناحية روسيا فقد نقلت صحيفة موسكو تايمز الروسية نقلت عن مراكز أبحاث عسكرية أن العمليات في سوريا تكلف موسكو يوميا حوالي 4 مليون دولار. ومجموع ما صرفته القيادة الروسية في سوريا منذ بداية تدخلها في( 30 من أيلول/ سبتمبر 2015) ، بما في ذلك تطوير قاعدة عسكرية جوية، ومرافقها، والجنود وموظفو الخدمات بالإضافة إلى تكلفة الصواريخ التي أطلقتها الطائرات على مواقع تنظيم “الدولة الإسلامية” قد وصل إلى رقم يتراوح بين 80 إلى 150 مليون دولار.
وهنا توجد مفارقتين كبيرتين: الأولى الفارق في المدة الزمنية للتدخلات العسكرية فمدة التدخل الروسي في العمليات، ضئيلة جدا مقارنة بمدة التدخل الأمريكي ضد “داعش” التي بلغت أعواما. أما المفارقة الثانية فهي أن صناعة السلاح الأميركية بيد مؤسسات القطاع الخاص وتبيع منتجاتها وفق استراتجيات الدولة ولا تخرج عن ثوابت سياستها. بحيث أصبحت تشكل موازنة شركات السلاح 20% من ميزانية الولايات المتحدة. أما في روسيا فإن الدولة الروسية بحد ذاتها تملك ولو بشكل غير معلن شركات تصنيع السلاح من دبابات ارماتا وصولا إلى طائرات سوخوي المقاتلة أو القاصفة منها. ولعل تكلفة التدخل الروسي تزداد مع المدة الزمنية وتتكبد الدولة جزئا منها مما يحمّل كاهل الإقتصاد الروسي أعباء كبيرة. وربما هذا ما أخّر دخول روسيا في الحرب السورية بهذا الزخم. لكن بمجرّد أن خطت عسكريا لدعم النظام السوري لا يمكنها التراجع. الجدير بالذكر هنا أن الموازنة الروسية نسبة ناتج المحلي الإجمالي بدأت تشهد عجزا بنسبة 0.5% منذ عام 2014. وبحسب وزير الإقتصاد الروسي أنتون سيلونوف سيزداد هذا العجز ليصل إلى 3% في عامي 205-1016.
ليس صدفة أن تأتي الضربات الجوية الروسية والأميركية على سوريا بالتزامن مع تكثيف صفقات التسلّح مع دول الخليج. نذكر من هذه الصفقات حصول السعودية على صواريخ باك-3 و مروحيات UH-60M وسفن قتالية متعددة المهام و صواريخ Harpoon Block III من الولايات المتحدة الأميركية و حصول الكويت على مقاتلات يوروفايتر من إيطاليا وحصول قطر على دبابات ومنصات عسكرية من ألمانيا والكثير غيرها. وعلى الرغم من أن الوضع في سوريا لا يشكل خطرا عسكريا على دول الخليج يدفعها للتسلح. إلا أن الإقتصاد الأميركي كان يدخل في ركود ووجود خطر مثل الإرهاب هو حبل خلاص للدول الكبرى المتعثّرة إقتصاديا لتصريف إنتاجها العسكري لهذه الدول. مثلا تستخدم السعودية الأسلحة التي تحصل عليها من الدول الغربية في حربها ضد كا تعتبره الإرهاب في اليمن.
في ختام هذا التحليل في الإقتصاد العسكري يعتبر الخبير والمحلل الاستراتيجي والعسكري العميد ناجي ملاعب أن ” صفقات التسلّح عند العرب والشرق الأوسط هي بمثابة حقل تجارب للغرب. فطائرات ال A10 التي أرسلتها الولايات المتحدة الأميركية إلى تركيا كانت قد أخرجتها أميركا من الخدمة سابقا لكنها أجرت عليها تحديثا لتصبح صائدة دبابات وبدل التخلّص من الكمية المتبقية منها أرسلت جزءا منها إلى تركيا.” كما أشار العميد ” إن الولايات المتحدة ليست هي من يدفع ال $9 مليون يوميا في حربها ضد داعش في سوريا والعراق بل التحالف الدولي ضد داعش ككل هو من يدفع هذه التكلفة المرتفعة. ويتضمن هذا التحالف دولا عربية مثل المملكة العربية السعودية، الإمارات، الأردن، والكويت.” أما روسيا فهي تتكبد تكليف الضربات الجوية وحدها مع بعض الدعم الإيراني (وقد يكون هناك صيني غير معلن).
هذه إحدى أوراقنا الإقتصادية والمزيد من التحليل الإقتصادي العسكري آت عبر الأمن والدفاع العربي.