شهدت منطقة المحبس المغربية، القريبة من الحدود الجزائرية، إنزالا كثيفا لمظليين تابعين لقوات “الأسد الإفريقي”، خلال اليومين الماضين، حيث تم استعمال الطائرات المروحية والجنود المظليين، وذلك في إطار المناورات التي انطلقت بداية الأسبوع، وتشمل لأول مرة مناطق عسكرية في الصحراء المغربية، بحسب ما نقلت سكاي نيوز عربية في 14 حزيران/ يونيو الجاري.
ومنطقة المحبس، البعيدة بكيلومترات قليلة من مناطق تمركز جبهة البوليساريو الانفصالية في مخيمات تندوف بالجزائر، هي أيضا تضم واحدة من أهم القواعد العسكرية المغربية، التي تعتبر بحسب خبراء عسكريين، حصنا دفاعيا للمملكة ضد مساعي البوليساريو المعادية لسلامة أراضي المغرب.
وفيما تتواصل تدريبات “الأسد الإفريقي” التي تعتبر الأهم في القارة السمراء، والتي انطلقت منذ العام 2007، بقيادة “أفريكوم” التابعة للجيش الأميركي في القارة الإفريقية، يرى مراقبون أن اتساعها لتشمل منطقة المحبس قد وضع انفصاليي البوليساريو في الزاوية، خصوصا وأن التنظيم المعادي للمملكة لطالما ادعى أنه قد قصف منطقة المحبس، عقب تنظيف الجيش المغربي لمعبر الكركرات من العناصر الانفصالية، نهاية العام الماضي.
وكانت التدريبات المشتركة بين الجيشين المغربي والأميركي، وبمشاركة عدد من الدول الأخرى، قد انطلقت الاثنين الماضي، بمدينة أكادير، جنوب المغرب، وشملت مدن أكادير، تيفنيت، طانطان، المحبس، تافراوت، بن جرير والقنيطرة.
مناورات في الصحراء المغربية
ويقول الباحث والكاتب السياسي، رشيد إيهوم، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية”، إن “اشتمال مناورات الأسد الإفريقي على الصحراء المغربية، وتحديدا منطقة المحبس، القريبة من مرتزقة البوليساريو، ليست بالأمر الغريب على الشراكة المغربية الأميركية، التي بلغت أقصى سقوفها، وصولا إلى الاعتراف الصريح بالسيادة المغربية على الصحراء”.
وأضاف أن “المغرب ومصر هما الحليفان الأساسيان للولايات المتحدة في إفريقيا، وبالتالي فالمغرب يعتبر حليفا تاريخيا لواشنطن، ولهذا فأن تأتي هذه المناورات على عهد إدارة بايدن فهذا يقفل تماما الباب أمام كل مزاعم التشكيك في موقف تلك الإدارة من مغربية الصحراء”.
وأوضح أن “تزامن المناورات هذه السنة مع اندلاع الأزمة بين المغرب وإسبانيا، يُظهر صلابة الموقف الأميركي من مغربية الصحراء، وبالمقابل يعري المواقف العدائية الإسبانية للمصالح المغربية”، معتبرا أن “تخلف إسبانيا عن المشاركة، وتضحيتها بالمكاسب الممكن جنيها من هذه المناورات التي تشهد تطورا في أماكن التدريب والأهداف، يعني أن مدريد قد اختارت العزلة، فيما المغرب يمضي إلى المزيد من الريادة الإقليمية”.
وفيما لم يذكر البيان الصادر قبل أيام عن الجيش الأميركي منطقة المحبس حرفيا، أكدت مصادر مطلعة لموقع “سكاي نيوز عربية” أن إدارة بايدن اختارت تعزيز موقف الاعتراف بمغربية الصحراء بطريقة عملية، عبر تنظيم المناورات في المنطقة القريبة من الحدود المغربية الجزائرية، في ما اعتبرته ذات المصادر رسائل “طمأنة” بعثها البنتاغون إلى الجهات التي يزعجها التطور النوعي في المناورات الأهم والأضخم في إفريقيا.
وأضافت ذات المصادر أن مجرد ذكر منطقة طانطان، إحدى أهم مدن جهة كلميم واد نون، يؤكد دعم الولايات المتحدة لمقترح الحكم الذاتي في إطار الجهوية الموسعة التي يعمل بها المغرب، والتي تعتبر جهة كلميم إحدى أهم جهاتها في الصحراء المغربية، خصوصا وأنها تضم منطقة المحبس.
تعاون عسكري قديم
بدوره، أكد الباحث والكاتب السياسي، أيمن مرابط، في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أن “التعاون العسكري المغربي الأميركي قديم، ويعود إلى أواسط القرن العشرين”، لافتا إلى أن “الكثير من القواعد العسكرية المغربية نشأت في الأساس خلال فترات ذلك التعاون، مثل القاعدة العسكرية في بنجرير، وقاعدة القنيطرة”.
ونبه مرابط إلى أن “الصحراء المغربية بدورها تعني الكثير من الناحية الأمنية والعسكرية للولايات المتحدة، حيث أن ترجمة التحالف الأميركي المغربي عبر الاعتراف بمغربية الصحراء، ومن ثم إجراء تدريبات عسكرية فيها، يجعلها خط دفاع العالم ضد المخاطر الإرهابية القادمة من الساحل والصحراء، والتي باتت البوليساريو ضالعة في تنميتها”.
جدير بالذكر أن النسخة 17 من مناورات “أسد الصحراء” تعرف مشاركة كل من بريطانيا والبرازيل وكندا وتونس والسنغال وهولندا وإيطاليا، فضلا عن الحلف الأطلسي (الناتو) ومراقبين عسكريين من حوالي ثلاثين دولة تمثل أفريقيا وأوروبا وأميركا، فيما تضم تمارين مختلفة تشمل الإنزال الجوي للقوات المظلية، والرماية الحية براجمات الصواريخ، إضافة غلى تطوير قدرات المناورة للجيوش المشاركة، وتعزيز تقنيات تخطيط وتنفيذ العمليات المشتركة في إطار التحالف.