SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

القوات الأوكرانيّة تستعيد زمام المبادرة وانتصاراتها ستزيد دعم حلفائها

ByAgnes Helou

سبتمبر 16, 2022
دبابة روسية جنود أوكرانيون في دبابة روسية في محيط خاركيف (أ ف ب)

رياض قهوجي- النهار العربي

فاجأت أوكرانيا خصومها، كما حلفاءها، بنتائج هجومها المضاد الأخير في مقاطعة خاركيف في شمال البلاد، حيث تمكنت من تحرير ما يقارب 6000 كلم مربع خلال أسبوع واحد.

فقد تابع المراقبون في الغرب التقدم الأوكراني بشيء من الدهشة الممزوجة بالشكوك مما يسمعونه وتظهره الفيديوات على وسائل التواصل الاجتماعي وصور الأقمار الاصطناعية. وانتظر العديد من المسؤولين في الغرب بضعة أيام قبل أن يؤكدوا الانتصارات الأوكرانية ويباركوها. فهي أظهرت أن المساعدات العسكرية بمليارات الدولارات التي أرسلت للجيش الأوكراني، بالإضافة إلى تدريب المقاتلين الأوكران قد فعلت فعلها وأتت بنتائج مبهرة. وهذا يعني أن هذه الدول ستتحمس لإرسال المزيد من هذه الأسلحة والاستمرار في استراتيجيتها الحالية في التعامل مع الغزو الروسي لأوكرانيا.

يمكن وصف التكتيكات التي استخدمتها القوات الأوكرانية وآلية المناورة التي اعتمدتها بالتطبيق الناجح للحرب الخاطفة، وهو ما كسر الروتين البطيء لهذه الحرب التي تميزت حتى الآن بالتقدم التقليدي المعتمد على التدمير الممنهج لكل ما في الطريق بواسطة القصف المدفعي والصاروخي المركز، وهو ما اعتمدته روسيا مستغلةً تفوقها الكبير في كثافة النيران. فالقوات الأوكرانية طبقت تكتيكات الحرب الخاطفة المشهورة بها الجيوش الغربية، حيث قامت بإحداث ثغرة في نقطة ضعف للدفاعات الروسية، ودفعت بأعداد ضخمة من قواتها وبسرعة كبيرة، والتي انتشرت بشكل مروحة شمالاً وجنوباً، مفاجئةً الجنود الروس في الخطوط الخلفية.

وتظهر الفيديوات المنتشرة على وسائل التواصل الاجتماعي عشرات الدبابات والمدافع الذاتية الحركة وناقلات الجند الروسية مهجورة في قواعد عسكرية وعلى جوانب الطرق، ما يؤشر إلى عمليات فرار وفوضى عمت صفوف الجنود الروس الذين غادروا بعجلة كبيرة في سيارات مدنية. كما تم أسر عدد من الجنود الروس. وسينتهي المطاف في العديد من الآليات العسكرية الروسية المهجورة بأن تنتقل للخدمة في صفوف القوات الأوكرانية بعد خضوعها لعمليات صيانة. وبحسب مصادر أوكرانية، فإنه منذ بداية الحرب انتقلت أكثر من مئة دبابة روسية من طرازي تي-72 وتي-80 من يد الروس الى الأوكران الذين يستخدمونها الآن في بعض هجماتهم المضادة.

ولم يدفع الهجوم الكبير الذي قامت به أوكرانيا في الشمال إلى وقف هجومها المضاد على جبهة خيرسون جنوباً. فهذا الهجوم الآخر مستمر وبزخم كبير بحسب التقارير والصور الواردة من هناك، مع تحقيق اختراقات وتقدم على بعض المحاور. يبدو أن القيادة الأوكرانية مصممة على تحرير مقاطعة خيرسون الاستراتيجية والمطلة على البحر الأسود والمحاذية لجزيرة القرم. إلا أن تقدم قواتها هناك أبطأ من الشمال، بسبب وجود فرق من قوات النخبة الروسية على هذه الجبهة الحيوية لروسيا. كما أن نقل هذه الوحدات من خاركيف ساهم في إضعاف القوات الروسية هناك وهزيمتها بهذا الشكل.

ولم يظهر في المعارك الأخيرة أي دور رئيسي لسلاح الجو، رغم قيام الطائرات الروسية والأوكرانية بقصف بعض المواقع للطرف الآخر. فلم تتمكن روسيا حتى الآن من فرض سيطرة جوية رغم امتلاكها أضعاف أعداد الطائرات الهجومية الأوكرانية. ويعود ذلك لامتلاك أوكرانيا منظومات دفاع جوي واستلامها المزيد من الطرازات الحديثة منها من الغرب. كما أن تزويد أميركا سلاح الجو الأوكراني بصواريخ طراز هارم مخصصة لضرب منصات رادار الدفاع الجوي مكّن الطائرات الأوكرانية من تدمير منصات عدة لصواريخ سام روسية، ما سمح لها بشن غارات جوية بطائرات مسيّرة وحربية على مواقع روسية.

وإن دلت المعارك الأخيرة في أوكرانيا إلى شيء، فهو أن زمام المبادرة اليوم بات في يد القوات الأوكرانية التي تقوم بشن هجمات على محاور عدة، فيما الروس في موقع الدفاع والتراجع في أكثر من مكان.

امتلاك القوات زمام المبادرة خلال الحرب هو شيء مهم جداً، لأنه يظهر من بات يملك التفوق الميداني الذي لا يتحقق بالضرورة عبر التفوق العددي، بل بالتفوق النوعي والتكتيكي. فكثافة الدبابات والمدافع والصواريخ الروسية فعلت فعلها، عندما لم تكن القوات الأوكرانية مسلحة بالشكل الذي هي عليه اليوم، ولم تكن قد تدربت تدريباً كافياً على يد قوات حلف الناتو. أما بعد ستة أشهر من بدء الغزو الروسي، فيبدو أن القوات الأوكرانية باتت أكثر كفاءة وأفضل تسليحاً. كما يبدو جلياً أن معنويات جنودها الذين يقاتلون دفاعاً عن وطنهم أعلى من معنويات الجنود الروس، وهذا عامل أساسي على أرض المعركة.

لكن هذه الانتصارات الأخيرة للأوكرانيين لا تعني أن الحرب وصلت إلى نهايتها. فروسيا ما زالت تحتل مساحة كبيرة من أوكرانيا. كما أنها تقوم حالياً بعملية تجنيد وإنشاء لثلاث فرق عسكرية لإرسالها إلى الجبهة الأوكرانية خلال الفترة المقبلة. وفي الوقت عينه، تستمر أوكرانيا في زيادة عدد جنودها مع استلامها المزيد من الأسلحة من الغرب.

وستشهد ساحات الحرب عمليات هجوم من الطرفين خلال الأسابيع القليلة المقبلة، قبل بداية تساقط الثلوج والأمطار، والتي ستدفع بقوات الطرفين لحفر الخنادق والتمركز حيث هي بانتظار فصل الربيع وعودة العمليات العسكرية الكبيرة بين الطرفين.

ستعمد روسيا إلى القصف الاستراتيجي بالصواريخ البالستية والجوالة، مستهدفة مرافق البنية التحتية من محطات الطاقة الكهربائية وتوزيع المياه والغاز، من أجل استنزاف الشعب الأوكراني والضغط على قيادته. هذا ما يدفع كييف اليوم إلى مطالبة واشنطن وبعض الدول الأوروبية بصواريخ بعيدة المدى لضرب العمق الروسي. لكن لا يبدو أن دول حلف الناتو متحمسة لهذه الخطوة، ما قد يشجع أوكرانيا على تطوير قدرات ذاتية في هذا الإطار. فهي تملك خبرة في تصنيع صواريخ جوالة وبالستية، وقد تعمد إلى تطوير هذه الأسلحة محلياً لتحقق بعض التوازن مع روسيا في تهديد الجبهة الخلفية.

الامتحان الكبير لحلفاء أوكرانيا ومدى التزامهم بدعمها سيظهر جلياً بعد تدني الحرارة في أوروبا وبدء تساقط الثلوج. فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين سيستخدم سلاح الطاقة (الغاز) لإجبار أوروبا على التخلي عن مواقفها حيال حربه على أوكرانيا. لكن إن تمكنت أوروبا من الصمود واستخدام الخيارات الأخرى المتاحة لتوفير الطاقة ووسائل التدفئة لمواطنيها هذا الشتاء، فهذا سيضع بوتين في موقف صعب جداً، إذ إن عملياته العسكرية تكون قد أخفقت في تحقيق نتائجها المعلنة واستراتيجيته في إخضاع أوروبا لم تؤت ثمارها. وبالتالي، فإن الضغوط ستتضاعف تضاعفاً خطيراً على بوتين داخلياً، حيث يعاني الاقتصاد تبعات العقوبات الغربية على روسيا. كما أن حجم الخسائر العسكرية والذي يقدر بآلاف الدبابات والآليات وعشرات آلاف الجنود سترخي بظلالها بقوة على سيد الكرملين.

تعمل واشنطن جاهدة على دعم أوكرانيا، وتضغط بشدة على حلفائها في أوروبا للثبات على مواقفهم ضد روسيا، والانتصارات الأخيرة لأوكرانيا قد تزيد من حماسة حلفائها وتشجعهم على الصمود معها.

شارك الخبر: