أقرّ مجلس الشيوخ الأميركي، مشروع قانون ميزانية الدفاع لعام 2023، وهي الأكبر في تاريخ الولايات المتحدة، بواقع 858 مليار دولار، بزيادة 45 مليار دولار عن الميزانية التي اقترحها الرئيس الأميركي جو بايدن، بحسب ما نقلت سكاي نيوز عربية.
وتم إقرار المشروع بمجلس النواب في يوم 8 كانون الأول/ ديسمبر الجاري، قبل أن يوافق أعضاء مجلس الشيوخ على قانون “تفويض الدفاع الوطني”، وهو مشروع قانون سنوي يحدد سياسة وزارة الدفاع (البنتاغون) بأغلبية 83 مقابل 11 صوتا معارضا، وليتم إرسال مسودة القانون للبيت الأبيض للتوقيع عليها من قبل الرئيس الأميركي وتصبح نافذة كقانون.
يسمح قانون الدفاع الوطني لعام 2023، بتخصيص 858 مليار دولار للإنفاق العسكري، ويتضمن زيادة 4.6 بالمئة برواتب الجنود، وتمويل مشتريات أسلحة وسفن وطائرات، ودعما لتايوان وأوكرانيا.
يرى خبراء عسكريون ومراقبون أن اعتماد أضخم ميزانية دفاعية أميركية، وهو ما لم يحدث في خضم حروب وأزمات دولية كبرى كالحرب الباردة، مؤشر على أن عالم ما بعد حرب أوكرانيا مقبل على سباقات تسلح غير مسبوقة، وهو ما سيستنزف قدرات الدول وطاقاتها ويوجهها نحو زيادة الإنفاق العسكري والدفاعي، في وقت يعيش العالم أزمات طاقة وغذاء وبيئة خطيرة.
وستدفع هذه الزيادة في الإنفاق العسكري روسيا والصين على تطوير ترساناتهما وميزانياتهما العسكرية، لمواجهة هذا الإنفاق العسكري الضخم لواشنطن ولضمان تحقيق التوازن والردع، خاصة وأن الميزانية تتضمن تخصيص مساعدات عسكرية أميركية لكل من تايبيه وكييف.
الدبلوماسي السابق والخبير بالشؤون الأميركية مسعود معلوف، قال في تصريح لموقع “سكاي نيوز عربية”: “تدل هذه الزيادة على ازدواجية تفكير لدى واضعي هذه الميزانية العسكرية الهائلة، لبلد يعاني من جملة أزمات ومشكلات اقتصادية كبرى وخاصة في قطاع الطاقة، وحيث نسب التضخم هي الأعلى منذ أكثر من 4 عقود”.
وأضاف معلوف: “رغم أن هذه الزيادة ترتبط بعوامل أهمها الحرب الأوكرانية والصراع الأميركي مع روسيا، وتصاعد التوتر كذلك مع الصين وخاصة حول تايوان، لكنها تشكل زيادة مبالغا بها لدرجة أن الكونغرس أقرها وبزيادة 45 مليار دولار عن المبلغ الذي طلبه الرئيس الأميركي بايدن أصلا، ما يطرح علامات استفهام حول هذا الانفاق العسكري الهائل وإطلاق العنان لسباق تسلح عالمي جديد”.
وتابع: “الواضح أن العامل الأول وراء هذه الزيادة هي الصين وليست روسيا، حيث أن بكين رفعت في السنوات القليلة الأخيرة من جهوزيتها القتالية والحربية وخاصة على صعيد تحديث وتطوير أساطيلها وقواتها البحرية وخاصة في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، وهو ما يفسر أن نسبة لا بأس بها من هذه الميزانية مخصصة لتطوير القدرات البحرية العسكرية الأميركية وزيادة عدد مقاتلات وقطع الأساطيل الحربية لمواجهة التمدد الصيني في المحيطات وخطوط التجارة والملاحة العالمية فيها”.
وفيما يتعلق بالرأي العام الأميركية حول الميزانية العسكرية، أوضح معلوف: “الانتخابات النصفية انتهت للتو، وهكذا فالكونغرس والإدارة يتصرفان بمعزل عن التحوط لهاجس مزاج الناخب الذي يصوّت تبعا لاعتبارات اقتصادية بالدرجة الأولى، واللافت في هذه الزيادة للميزانية الدفاعية أن الجمهوريين والديمقراطيين رغم اختلافهما الكبير تحت قبة الكونغرس بمجلسيه، توافقوا على إقرار هذه الزيادة، فمن أصل 435 عضوا من مجلس النواب وافق 329 عليها مقابل 101 ضدها، فيما صوّت لصالحها بمجلس الشيوخ 83 عضوا من أصل 100 عضو، وعارضها 11 فقط”.
وخلص المتحدث للقول: “حرب أوكرانيا سعّرت مجددا سباقات التسلح الدولية، والركون للقوة العسكرية لحماية وتوسيع مناطق النفوذ والسيطرة، لدرجة أن بلدا كألمانيا لم تكن لديه إمكانية التسليح المفتوح، بات مسموحا له ذلك، ولهذا فإن لم تقدم واشنطن على هذه الزيادة، لربما اعتبرت مقصرة ومتخاذلة في حماية حلفائها وشركائها حول العالم وتأدية التزاماتها، وعجزها عن مجاراة الصعود العسكري لبكين وموسكو خاصة”.
الخبير العسكري والاستراتيجي الدكتور محمد صالح الحربي، اعتبر في حديث لموقع “سكاي نيوز عربية” أنه: “لا شك أن القوة والقدرات العسكرية هي من أبرز رموز وأدوات الهيمنة لدى القوى العالمية العظمى، وفي ظل احتدام الصراع مع روسيا والصين فإنه يغدو من المفهوم أن تقرّ أميركا أكبر ميزانية عسكرية في تاريخها، حيث وصل حجم الإنفاق العسكري الأميركي إلى 40 بالمئة من مجمل الإنفاق العسكري العالمي وفق مؤسسة غلوبال فاير باور ومعهد ستوكهولم، بمعنى أن الميزانية العسكرية الأميركية تعادل نصف ميزانيات الدفاع العالمية مجتمعة”.
وأشار الحربي إلى أن “الميزانية العسكرية الروسية هي بحدود 66 مليار دولار وقد تصل في أقصى حد لنحو 150 مليار دولار، وبذلك فإن الميزانية الأميركية تفوقها بنحو 11 ضعفا، وهو فرق مهول وكبير ولا شك، ومؤشر على أن العالم مقبل على سباق تسلح غير مسبوق بين القوى الدولية المتنازعة”.
وشدد على أن “توازن الرعب النووي هو الذي يضبط بالمحصلة إيقاع الصراع والمنافسة، بوصفه العامل الأقوى والأهم في معادلات القوة والسيطرة، خاصة وأن الروس يتقدمون على الأميركيين في القوة النووية”.
واختتم الخبير العسكري حديثه بالقول: “واشنطن عازمة على تعزيز سطوتها الدولية وقوتها العسكرية التي تجعلها الأولى في ترتيب الجيوش العالمية، وتضمن تفوقها الاستراتيجي في ظل تصاعد حرب الأقطاب”.