رغم فرض الكثير من العقوبات والقيود من قبل الولايات المتحدة وحلفائها على برنامج المسيرات العسكرية الإيرانية، إلا أنه تقدم بشكل كبير كما كشفت الحرب في أوكرانيا، فما هي إستراتيجية واشنطن لمواجهته مستقبلاً؟
بحسب ما نقل موقع DW في 15 كانون الثاني/ يناير الجاري، دأبت الولايات المتحدة على تعطيل برنامج الطائرات المسيرة الإيراني في الآونة الأخيرة من خلال سلسلة من العقوبات الاقتصادية وقيود التصدير، للحد من وصولها إلى دول أخرى في ظل ما يتردد عن استخدام روسيا لتلك المسيرات في حربها بأوكرانيا، لكن هل نجحت جهود واشنطن في الحد من هذا البرنامج؟
في هذا السياق يقول الباحث إريك لوب، وهو باحث غير مقيم في برنامج إيران في معهد الشرق الأوسط وأستاذ مشارك في السياسة والعلاقات الدولية في جامعة فلوريدا الدولية، والكولونيل المتقاعد إدوارد ريل الذي يعمل على التقنيات المتقدمة وأجهزة الاستشعار ومعالجة أجهزة الاستشعار في شمال كاليفورنيا، في تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنتريست” الأمريكية، إنه في 6 كانون الثاني/ يناير، فرضت وزارة الخزانة الأمريكية عقوبات على أعضاء المجلس التنفيذي لـ “منظمة القدس لصناعات الطيران والفضاء”، وهي شركة دفاع إيرانية أسسها فيلق “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني في عام 1985.
وتقوم المنظمة بتصميم وتصنيع طائرات استطلاع ومقاتلة مسيرة متوسطة المدى من طراز “مهاجر-6” التي من المفترض أنها نُقلت إلى روسيا في الصيف. وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، تردد أن روسيا استخدمت “مهاجر-6” لتنسيق هجوم على ميناء أوديسا الأوكراني، مما يتناقض مع نفي طهران لتزويد موسكو بطائرات مسيرة بعد غزو أوكرانيا.
وتم فرض عقوبات على منظمة القدس من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأمريكية منذ كانون الأول/ ديسمبر 2013. وقد تزيد الحكومة الأمريكية أيضاً من العقوبات المفروضة على مسؤولي “شركة صناعات الطائرات الإيرانية”، التي تنتج الطائرة الانتحارية بدون طيار “شاهد-136” التي أعادت روسيا تسميتها لـ “جيران-2” وبرزت بشكل كبير في الحرب في أوكرانيا.
ومنذ أيلول/ سبتمبر الماضي، نشرت روسيا “شاهد-136وجيران-2” في موجات من ضربات الطائرات المسيرة والصواريخ، مما أدى إلى شل البنية التحتية الحيوية لأوكرانيا وترويع سكانها المدنيين. وعلى غرار منظمة القدس، كان قد تم معاقبة شركة صناعة الطائرات من قبل الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة لأكثر من عقد.
وطوال سنوات، فرضت الولايات المتحدة عقوبات على المجمع الصناعي العسكري الإيراني وقاعدة التصنيع، بما في ذلك كيانات مثل منظمة القدس، وشركة صناعات الطائرات، وشركة فجر لصناعة الطيران والمركبات وصناعات دعم وتجديد طائرات المروحية الإيرانية، وصناعات الطائرات الإيرانية، على سبيل المثال لا الحصر.
ومع ذلك، استمر قطاع الطيران الإيراني وصناعة الطائرات المسيرة في التوسع والازدهار. ولم تتمكن العقوبات الغربية من منع إيران من أن تصبح لاعباً بارزاً في سوق الطائرات العسكرية المسيرة ومشاركة تكنولوجيا الطائرات المسيرة مع الشركاء والوكلاء داخل وخارج منطقة الشرق الأوسط.
وقامت إيران بتصنيع وتشغيل طائرات عسكرية مسيرة منذ الحرب الإيرانية العراقية في منتصف ثمانينات القرن الماضي. ومع أكثر من ثلاثة وثلاثين نموذجاً، يشكل مجمع الطائرات العسكرية المسيرة الإيراني المتطور للغاية إحدى الركائز الأربع لاستراتيجيتها الأمنية وهيكل قوتها، مكملا تكنولوجيا الصواريخ والقوات بالوكالة والحرب الإلكترونية.
وقد عرضت الطائرات بدون طيار بشكل متزايد ميزة غير متماثلة لإيران، مع إدراك أنها لا تستطيع التنافس مع القوات الجوية الأكثر حداثة في المنطقة، حتى في الوقت الذي تحاول فيه الحصول على طائرات مقاتلة من طراز “سوخوي-35” من روسيا مقابل طائرات مسيرة وصواريخ ومساعدات عسكرية أخرى.
والطائرات الإيرانية المسيرة أرخص من نظيراتها الغربية وقد أثبتت فعاليتها في ساحة المعركة، سواء ضد المتمردين المحليين والإقليميين أو الأصول الأمريكية والحلفاء في الخليج وحوله.
كما مكنت الطائرات المسيرة إيران من إبراز قوتها وكسب الأرباح، وعرض التكنولوجيا وتعزيز هيبتها، وتقوية التحالفات، والتأثير على الصراعات في الشرق الأوسط وخارجه. وتحقيقا لهذه الغاية، سلمت إيران طائرات مسيرة وتصاميمها ومكوناتها وتدريبها لشركائها ووكلائها في العراق ولبنان واليمن، وكذلك إلى حكومات أجنبية مثل إثيوبيا وروسيا والسودان وسوريا وفنزويلا، وهي معاملات سهلها انتهاء حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة على إيران في تشرين الأول/ أكتوبر 2020.
وفي أيار/ مايو 2022، أقام اللواء الإيراني محمد باقري حفل قص الشريط لمصنع إيراني جديد للطائرات المسيرة في طاجيكستان، وهو أول منشأة لإنتاج تلك الطائرات في الخارج. وفي 18 تشرين الأول/ أكتوبر، وبينما واصلت روسيا نشر “شاهد-136 وجيران-2” ضد البنية التحتية الأوكرانية والمدنيين الأوكرانيين، قال اللواء يحيى صفوي، أحد كبار المساعدين العسكريين للمرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، إن 22 دولة تريد شراء طائرات إيرانية مسيرة.
وحتى الآن، امتنعت إيران عن تزويد روسيا بطائرات مسيرة وصواريخ أطول مدى وأكثر فتكاً، مثل الطائرة الانتحارية المسيرة من طراز “أراش-2” والصواريخ الباليستية قصيرة المدى “فاتح-110″ و”ذو الفقار”.
ومن خلال هذه الخطوة تسعى طهران إلى تجنب التعرض لإعادة فرض العقوبات بموجب قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2231 إلى أن ينتهي سريان بند رئيسي في تشرين الأول/ أكتوبر 2023. وفي الوقت نفسه، وفي مدينة بندر عباس الساحلية، تعاقدت البحرية التابعة للحرس الثوري مع مجمع بناء السفن والصناعات البحرية الإيرانية لتحويل سفينة حاويات شهيد مهدوي إلى حاملة طائرات مسيرة.
وبالإضافة إلى زيادة العقوبات ضد إيران، تعتزم واشنطن فرض قيود على الصادرات والضغط على الشركات الخاصة لتعطيل سلسلة التوريد التكنولوجية المرتبطة بصناعة الطائرات المسيرة في طهران. وتم الإعلان عن هذه الخطط بعد ظهور تقارير تفيد بأن “شاهد 136” يتم تصنيعها بمكونات أمريكية وبريطانية.
ولا تؤدي هذه المكونات إلى تعقيد طريق إيران نحو استقلالية الإنتاج والاكتفاء الذاتي فحسب، بل تظهر أيضاً قدرتها الخارقة على تجاوز العقوبات. وكما هو الحال مع العقوبات الغربية، فمن غير المرجح أن يؤدي المزيد من ضوابط التصدير وضغوط الشركات إلى الحد بشكل كبير من وصول إيران إلى هذه المكونات.
وتتبنى القيادة الإيرانية نهجا يشمل الحكومة بأكملها وتستخدم جميع الأدوات المتاحة، من نخب النظام التي تدرس في الجامعات في الخارج إلى التجسس الإلكتروني، للوصول إلى أحدث التقنيات. وقد تواجه إيران صعوبة في الوصول إلى تكنولوجيا الاتصالات المعقدة أو إنشائها. ومع ذلك، لا يزال بإمكانها بسهولة شراء شريحة استقبال إشارة إلكترونية من إنتاج شركة “تكساس إنسترومنتس” من النوع الذي اكتشفته القوات الأوكرانية داخل طائرة “شاهد-136” التي تم إسقاطها، لا سيما من سوق التكنولوجيا الكبيرة وغير المنظمة في الصين.
وبالنظر إلى صعوبة، إن لم يكن استحالة، تعطيل برنامج الطائرات المسيرة الإيراني من خلال العقوبات الاقتصادية وضوابط التصدير، من الأفضل للولايات المتحدة أن تتبنى استراتيجية جديدة. ومن شأن هذه الاستراتيجية أن تسعى إلى استخدام نهج مبتكر وشامل لكسر الحلقة التي لا نهاية لها من فرض العقوبات الأمريكية وتجنب العقوبات من جانب إيران.
وفي إطار هذه الاستراتيجية، ستكون التدابير الاقتصادية والمالية العقابية جزءا من مجموعة أدوات أوسع نطاقا للسياسات لتحقيق تأثير دعم يشمل الحكومة بأسرها.