أغنس الحلو
لم تسلّط الأضواء في السابق كثيراً على مناطيد التجسس كما هو الحال مع مقاتلات الجيل الخامس وسباق التسلّح في مضمار المسيّرات والذكاء الاصطناعي.
ولكن مع اختراق منطاد صيني للأجواء الجوية الأميركية في سابقة من نوعها على اختراق هكذا تقنيات لأكبر دولة في الانفاق العسكري العالمي وهي الولايات المتحدة الأميركية لم يعد بإمكان تجاهل قدرات مناطيد التجسس وقدراتها الاستخباراتية.
بالعودة إلى الحادثة الأخيرة، ظهر المنطاد الصيني في 2 شباط/ فبراير 2023 ودخل الأجواء الأميركية من اتجاه الشمال الغربي، وتعقبه الجيش الأميركي حتى وصل الساحل الشرقي للبلاد في 4 شباط/ فبراير، حيث تم إسقاطه في أجواء المحيط الأطلنطي.
وبحسب وسائل الإعلام الأميركية تم رصد انفجار صغير خلال سقوط المنطاد الصيني باتجاه المياه قبالة الساحل الشرقي للولايات المتحدة الأميركية، بينما أرسل الجيش الأميركي سفنا وطائرات حربية للبحث عن الحطام، الذي يمكن أن يساهم في التعرف على طبيعة الأجهزة التي كان يحملها المنطاد.
اعتبرت الولايات المتحدة الأميركية أن المنطاد الصيني هو للتجسس ويقوم بمهام استطلاع لمواقع استراتيجية أميركية ، أما الصين فقد ردّت الصين بأنه منطاد بحثي يتم استخدامه في أبحاث متعلقة بالأرصاد الجوية، مشيرة إلى أنه دخل الأجواء الأميركية بسبب ما وصفته بـ “القوة القاهرة”.
وبحسب البيت الأبيض، استطاعت الولايات المتحدة رصد منطاد التجسس إثر تعزيز دفاعات الولايات المتحدة ضد التجسس الصيني، والتعرف على عمليات تحليق مماثلة في عدة مواقع خلال فترة إدارة ترامب.
وأفاد مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، جيك سوليفان، في 6 شباط/ فبراير الجاري بأن بايدن قام عقب تولي منصبه “بتعزيز قدرة الولايات المتحدة على مراقبة لمجالها الجوي الإقليمي، وتعزيز قدرتنا على رصد الأشياء التي لم تتمكن إدارة ترامب من اكتشافها”.
وكان مسؤولون في وزارة الدفاع الأميركية قد أكّدوا إن 3 مناطيد على الأقل دخلت المجال الجوي الأميركي خلال إدارة ترامب ومرة أخرى على الأقل خلال فترة إدارة بايدن.
مناطيد التجسس وحروب المستقبل
تستخدم المناطيد لأغراض متنوعة ولكن أبرزها أغراض الاستطلاع وجمع المعلومات الاستخباراتية، وفي مثل هذه الحالات يتحول المنطاد لسلاح ذو أهمية استراتيجية كبيرة، خاصة وأنه لا يعمل بقوة محركات نفاثة ولا يوجد بصمة حرارية كبيرة لهذه المناطيد مما لا يساعد الرادارات في رصده وتعقّبه. خاصة وأن المناطيد مصنوعة من مواد لا تعكس الضوء، فهي ليست معدنية. لذا حتى لو كانت كبيرة إلى حد ما فسيكون اكتشاف (وجودها) صعباً. كما وأن أجهزة التجسس والحمولة الصافية لهذه الأجهزة تعد صغيرة، فهي يمكن أن تمر من دون ملاحظة.
مناطيد التجسس الحديثة هي جزء من ثورة التكنولوجيا واستخدام مركبات تحلق على ارتفاعات شاهقة. واستثمرت العديد من الدول وشركات الدفاع الكبرى ملايين الدولارات لتطوير مناطيد التجسس من بينها بريطانيا.
مناطيد التجسس هي بالونات خفيفة الوزن، مليئة بغاز الهيليوم، وملحق بالبالون معدات تجسس مثل الكاميرا البعيدة المدى. و يمكن إطلاقها من الأرض إلى الجو، حيث يمكنها التحليق على ارتفاع 18 ألف متر، أي فوق المسار المخصص للطائرات التجارية، وفي منطقة تعرف بـ”القريبة من الفضاء”.
ولدى التحليق في الجو، تستخدم هذه المناطيد مزيجا من التيارات الهوائية وجيوب الهواء المضغوط، التي يمكن أن تكون شكلا من أشكال التوجيه.
وتعتبر أكبر ميزة لدى مناطيد التجسس والتي تجعلها أفضل من الأقمار الاصطناعية هي أنها قادرة على دراسة منطقة لفترة زمنية أطول.
في آب/ أغسطس 2022، أعلنت وزارة الدفاع البريطانية إبرام صفقة تزيد عن 120 مليون دولار مع شركة أميركية، من أجل تزويدها بمناطيد غير مأهولة للمراقبة والاستطلاع.
يشبه المنطاد الصيني في المظهر شكل منطاد الأرصاد الجوية العادي، إلا أن هناك بعض العناصر المختلفة، حيث تتكوّن حمولته الضخمة -التي يمكن رؤيتها بوضوح- من أدوات إلكترونية للتوجيه والمراقبة، بالإضافة إلى الألواح الشمسية لتشغيلها. وبالتالي فإن دخول عوامل الذكاء الاصطناعي واستخدامها بكثافة تؤكّد استخدامه لأغراض التجسس.
ومع تقدّ م تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي Artificial Intelligence بات من الممكن الآن توجيه المنطاد عبر تغيير الارتفاع للوصول إلى نقطة مناسبة للعثور على رياح تدفعه نحو الوجهة المطلوبة.
كما أنّ المناطيد تتمتع بميزة الحفاظ على موقع ثابت فوق الهدف الذي تريد مراقبته على مدى أشهر، خلافا للأقمار الاصطناعية التجسسية التي يجب أن تبقى بالمدار.
شركات الدفاع الغربية والمناطيد
تقوم كبرى شركات الدفاع العالمية بتطوير مناطيد التجسس والاستخبار ومع التقدّم التكنولوجي تقوم بتزويدها بتقنيات الذكاء الاصطناعي والتحكم بها.
من بين هذه الشركات شركة Thales Alenia Space وهي شركة مشتركة بين تاليس الفرنسية وليوناردو الإيطالية والتي وقّعت عام 2020 عقدا مع وكالة المشتريات الدفاعية الفرنسية لإجراء دراسة مفاهيمية بشأن تطبيقات الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع (ISR) باستخدام منطاد من نوع Stratobus TM لتلبية الاحتياجات التشغيلية للجيش الفرنسي. ويهدف العقد إلى دراسة فوائد منصات الستراتوسفير المستمرة لتحسين وتوسيع القدرات الدفاعية لفرنسا.
وتتميّز قدرات StratobusTM بزيادة مساحة الأماكن التي يتم مراقبتها بشكل كبير من خلال منصة واحدة ، لا سيما من خلال القضاء على إخفاء التضاريس وبتوفير القدرة على البقاء فوق منطقة معينة، وبالتالي تحسين المرونة فيما يتعلق بالحلول الحالية البحرية والجوية والأرضية والفضائية.
Stratobus هو منطاد الستراتوسفير المستقل قادر على تنفيذ مهام المراقبة ليكون “عين في السماء” لدعم الأنشطة الأرضية بجميع أنواعها.
ويستطيع منطاد StratobusTM مسح الأرض على بعد 100 كيلومتر من أجل المراقبة الدقيقة والدائمة. وتكون الرياح على ارتفاع ثابت معتدلة ومستقرة ، مما يسمح للمنطاد بالبقاء في مكانه من خلال نظام الدفع الكهربائي.
ويمكن اعتبار المنطاد المنصة الطائرة المصنفة بين طائرة بدون طيار وقمر صناعي ، ويعتبر فعالاً من حيث التكلفة لأنه لا يحتاج إلى قاذفة ويعمل باستخدام الطاقة الشمسية والتقنيات الخضراء فقط. يتم وضعه أولاً من خلال الدفع الكهربائي. من بين التقنيات المتقدمة التي تجعل Stratobus TM ممكنة: غلاف خفيف الوزن ومقاوم للماء ومقاوم للغاية تم تطويره بواسطة Airstar Aeropace.
وبدورها قامت كبرى الشركات الأميركية المصنّعة للأسلحة Lockheed Martin بتطوير منطاد تحت مسمى نظام اكتشاف التهديدات المستمرة Persistent Threat Detection System (PTDS) .
منطاد PTDS هو نظام قائم على المناطيد العسكرية يعمل بمثابة “عيون في السماء” للجيش الأميركي – حيث يستفيد من أجهزة الاستشعار المتقدمة لتوفير الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع والاتصالات لدعم القوات المنتشرة في الأمام.
قال الدكتور روب سميث ، نائب رئيس C4ISR في شركة لوكهيد مارتن: “لقد أنقذ منطاد PTDS عددًا لا يحصى من الأرواح من خلال قدرتها على تحديد التهديدات ، وتعقب المتمردين ، وتعزيز الاستعداد العام للرجال والنساء في المسرح”.
منذ عام 2004 ، قامت شركة لوكهيد مارتن بتزويد وصيانة وتشغيل مناطيد PTDS التي تم نشرها من قبل الجيش الأميركي للمساعدة في حماية قوات التحالف في الخارج. من خلال توفير مراقبة بانورامية على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع في طقس شديد الصعوبة ، توفر مناطيد PTDS قدرة مهمة للمراقبة المستمرة غير ممكنة مع الطائرات المأهولة وغير المأهولة التي تواجه قيود وقت الرحلة التي يمليها استهلاك الوقود وسعة الحمولة.
مع الانسحاب التدريجي للقوات ، أصبح المزيد من الأنظمة متاحًا لمناطق المهام الأخرى. في عام 2014 ، عملت شركة Lockheed Martin مع الجيش الأميركي لتسليم عمليات PTDS إلى وزارة الأمن الداخلي من أجل أمن الحدود في جنوب الولايات المتحدة.
قالت بولا هارتلي ، نائبة رئيس حلول المنتجات المتقدمة في شركة لوكهيد مارتن: “تم اختيار PTDS كواحدة من” أعظم الاختراعات للجيش لعام 2005 “من قبل وزارة المهندسين والعلماء بالجيش”. “منذ ذلك الحين ، أثبتت مناطيد PTDS بشكل متكرر قيمة مهمتها مع تحسين القدرة على تحمل التكاليف باستمرار من خلال الكفاءات التشغيلية وتقليل وقت الدورة.”
والجدير بالذكر أن الجيش الأميركي استخدم مناطيد PTDS منذ 2003 في الحرب في أفغانستان، بحيث ارتفعت المناطيد ذات المظهر غير العادي – الطائرات المليئة بالهيليوم والتي تسمى aerostats – إلى ارتفاع 15000 قدم وطفت بهدوء في السماء ، كل منها مؤمّنة بنظام إرساء أرضي بواسطة حبال طويلة.
أما شركة Raytheon Technologies الأميركية فقد طوّرت منطاد Joint Land Attack Cruise Missile Elevated Netted Sensor System أو JLENS وهو منطاد يعزز الهجوم الأرضي المشترك.
يمكن أن ترتفع أنظمة JLENS ، التي تتكون كل منها من منطاد مقيد بطول 74 مترًا ، إلى 10000 قدم. يرفع أحد المناطيد رادار مراقبة يوفر تغطية بزاوية 360 درجة لمسافات طويلة فوق البر والبحر. ويرفع جهاز الطيران الآخر رادار التحكم في الحرائق. تتمتع كل من منصات الأيروستات بالقدرة على دمج أنظمة الاتصالات وأجهزة الاستشعار الأخرى.
نظرًا لأن JLENS عبارة عن منطاد ، يمكن أن يبقى جواً لفترات طويلة – تصل إلى 30 يومًا في كل مرة – مما يوفر مراقبة مستمرة لفترات طويلة بتكلفة أقل بكثير من طائرات المراقبة التي تقوم بنفس المهمة.