إثر الغزو الروسي لأوكرانيا، تعهد المستشار أولاف شولتس بتحديث الجيش الألماني من خلال صندوق بقيمة مائة مليار يورو. ولكن بعد عام يتعرض هذا التعهد لانتقادات عديدة. فما مرجع هذه الانتقادات وماذا حدث في خطوات تحديث الجيش؟
بحسب ما نقل موقع DW في 1 آذار/ مارس الجاري ، ألقى المستشار أولاف شولتس العام الماضي، خطابا أمام البرلمان(بوندستاغ) ليكشف من خلاله ملامح حكومته حيث لم يمض على توليه منصب المستشارية سوى شهرين.
وفي خطابه الذي أطلق عليه إعلاميا “خطاب نقطة التحوّل” والذي جاء ردا على الغزو الروسي لأوكرانيا تعهد المستشار الألماني بتحديث الجيش عن طريق صندوق بقيمة مائة مليار يورو.
وفي الثالث من يونيو/ حزيران، انضمت المعارضة في بوندستاغ إلى صفوف التحالف الحاكم بهدف تغيير الدستور والسماح بالديون الإضافية في حدث غير مسبوق في تاريخ الجمهورية الفيدرالية.
ومنذ ذلك الحين، تعرض الائتلاف الحاكم برئاسة شولتس لانتقادات من المعارضة التي تقول إن الجيش الألماني لم يجن مكاسب من هذا التعهد المالي الضخم حتى الآن.
والاثنين الماضي، نقلت صحيفة “أوغسبورغه ألغماينه” عن رودريش كيسويتر، الناطق باسم السياسة الخارجية لحزب الاتحاد المسيحي الديمقراطي(معارضة)، قوله إن “الجيش الألماني يعاني من عجز هائل ولم تبدأ بعد حقبة “نقطة التحول” حتى الآن. لقد خسر الجيش عاما كان يمكن استغلاله للتحديث وبات الآن في موقف صعب عما كان عليه مع بداية العام الماضي”.
وفي الرد، قالت ماري-أغنيس ستراك-زيمرمان، رئيسة لجنة الدفاع البرلمانية وعضو في الحزب الديمقراطي الحر أحد أركان الائتلاف الحاكم، في مقابلة مع إذاعة “دويتشلاند فونك”، إنه خلال حقبة المستشارة أنغيلا ميركل التي كانت تتزعم حزب الاتحاد المسيحي الديمراطي، والتي امتدت لقرابة 16 عاما لم يتم عمل “أي شيء على الإطلاق” لتحديث الجيش.
وأشارت إلى إنجازات قامت بها الحكومة خلال عام بما ذلك شراء طائرات مقاتلة من طراز “إف-35” وطائرات هليكوبتر للنقل الثقيل من الولايات المتحدة فضلا عن خطوات لتعزيز الرقمنة بهدف تحديث القوات الألمانية.
وفي السياق ذاته، قالت وزارة الدفاع إنه جرى تخصيص 30 مليار يورو من المائة مليار يورو لإبرام صفقات كبيرة، بيد أن هذا الأمر تعرض لانتقادات سواء من داخل الاتحاد الأوروبي ومن داخل ألمانيا على خلفية أن هذه الصفقات تمت مع الولايات المتحدة رغم أن ألمانيا تمتلك صناعة تسليح كبيرة.
في المقابل، قالت ستراك-زيمرمان إنه ليس من السهل إنفاق مبلغ كبير بقيمة مائة مليار يورو خلال عام، مشيرة إلى أن عملية تصنيع معدات عسكرية جديدة تستغرق الكثير من الوقت.
يشار إلى أنه من المتوقع أن يتم تسليم أول ثماني طائرات من طراز “إف-35” عام 2026 فيما ستبقى المقاتلات في الولايات المتحدة بشكل مبدئي حتى يتم تدريب الطيارين الألمان.
وسوف يتم تسليم 27 مقاتلة متبقية من نفس الطراز بحلول عام 2029 فيما سيتم توافر معدات الاتصالات الرقمية الجديدة على نحو أسرع، لكن سوف تستغرق المعدات الأخيرة بعض الوقت.
إصلاحات لن تتم بمعزل عن حالة الاقتصاد
لكن يقول مراقبون إن الاقتصاد قد يلقى بظلاله على عملية تحديث الجيش الألماني. وفي هذا الصدد، قال رافاييل لوس، الخبير في الشؤون الدفاعية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إن التقدير الأولي كان يشير إلى تخصيص 8 مليارات يورو من هذا الصندوق لسداد أقساط الفائدة المستحقة على القرض الذي حصلت عليه الحكومة. وأضاف لوس في حوار مع DW، أن هذا الرقم وصل الآن إلى 13 مليار يورو بفضل ارتفاع أسعار الفائدة ما يعني أن ما تبقى من المبلغ الإجمالي لا يتجاوز 87 مليار يورو.
يضاف إلى ذلك أيضا تزايد الضغوط الاقتصادية جراء ارتفاع معدل التضخم وسعر الدولار مقابل اليورو وضريبة القيمة المضافة، ما يعني في نهاية المطاف أن القيمة الفعلية والواقعية المتبقية من الصندوق باتت ترواح ما بين 50 إلى 70 مليار يورو. وفي ذلك، قال لوس “كلما مر الوقت، كلما طال أمد تأثير عوامل اقتصادية مثل التضخم ومدفوعات الفائدة”، مضيفا أنه كان يتعين على الحكومة اتخاذ قرارات في سياق الإنفاق العسكري بشكل أسرع.
ولاحظ أنه “في بعض الجوانب، كان 2022 عاما ضائعا بالنسبة للجيش الألماني، لكن يبدو أن وزير الدفاع الجديد بوريس بيستوريوس يضغط من أجل اتخاذ خطوات في إطار معدل زمني متسارع مثل عملية استبدال دبابات ليوبارد.”
وكان الوزير قد اقترح أن قيمة الصندوق الخاص لا تكفي لتغطية احتياجات الجيش، داعيا إلى زيادة ميزانية وزارته بمقدار 10 مليارات يورو إضافية في خطوة لم تلق الكثير من الترحاب حتى من حزب بيستوريوس.
تناغم جديد
ويمثل هذا المقترح جزءا من المطالب الملحة التي يسعى بيستوريوس إلى تحقيقها في سبيل تحديث الجيش الألماني الذي عانى لسنوات عديدة من عدم الكفاءة في المشتريات، وهو الأمر الذي سلطت عليه الضوء شكوى قدمها العام الماضي هانز كريستوف أتزبوديان، رئيس للرابطة الفيدرالية لصناعة الأمن والدفاع الألمانية التي تضم جميع أكبر موردي المعدات العسكرية الثقيلة في ألمانيا بما في ذلك شركة “كراوس مافي ويغمان” المصنعة لدبابات “ليوبارد اثنان”.
وقال أتزبوديان إن البيروقراطية في منظومة المشتريات العسكرية تعاني من “الكمالية” في لوائحها، ما يعني في نهاية المطاف عدم حصول الجيش على ما يحتاجه حيث استشهد في ذلك بأن أطقم الدبابات الألمانية في حاجة إلى أنظمة راديو يستخدمها الحلفاء رغم تقديم طلب بضرورة توفرها.
وفي حوار مع DW، قال أتزبوديان إن الأمر يحمل بعض الإيجابيات، مضيفا “يجب اشيد بأنه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي جرى اتخاذ قرار بشراء هذه المعدات على وجه التحديد حتى من خلال شركة ألمانية…هذا الأمر مرحب به”.
لكن يبدو أن هناك تحركات لتسريع خطة تحديث الجيش وإزالة العراقيل البيروقراطية أمامها إذ أنه في ديسمبر/ كانون الأول الماضي، حدثت خلافات بين أتزبوديان وكبار الشخصيات الحكومية الذين زعموا أن صناعة التسليح يجب أن تعمل بجدية أكبر لزيادة السعة الانتاجية.
بيد أنه الآن أصبح الجميع على مسافة واحدة وهو الأمر الذي أشار إليه أتزبوديان بقوله “نحن على ثقة بأن الأوامر التي تم جرى تجميدها بشكل أساسي بسبب العمليات البيروقراطية الخاصة بالميزانية، سوف تدخل حيز التنفيذ الآن”.
منظومة المشتريات
من جانبه، أشار رافاييل لوس، الخبير في الشؤون الدفاعية في المجلس الأوروبي للعلاقات الخارجية، إلى أن التعقيدات في عملية المشتريات الدفاعية ظلت مشكلة صعبة، مضيفا “يعد هذا النظام معقدا للغاية بين البرلمان بصفته الهيئة الذي يملك الميزانية من جهة وبين ووزارة الدفاع ووكالات المشتريات والقوات المسلحة من جهة أخرى”.
وقال إنه بعد الحرب الباردة، كانت هناك ثقافة داخل الجيش الألمانية مفادها ان السرعة ليست أولوية، مضيفا “كان هناك نفور هائل من المخاطرة لفعل أي شيء خاطئ ومن المخاطرة في إنفاق الكثير من المال على نحو متعجل”.
وأشار لوس إلى أن مصالح نواب البرلمان الانتخابية غالبا ما لعبت دورا في عملية اتخاذ القرارات الخاصة بالمشتريات والصفقات، حيث يدفع السياسيون من ولاية بافاريا إلى فوز شركات الطيران في بافاريا بالصفقات.
وقال إن هذا الأمر “يؤدي إلى تحول عمليات الموازنة لأن تصبح أقل توجها نحو الاحتياجات العسكرية. أعتقد أنه في الولايات المتحدة يُطلق على هذه السياسة “سياسة برميل الخنزير” بما يعني استخدام الأموال الحكومية للمشاريع من إرضاء الناخبين والفوز بأصواتهم”.
رغم ذلك، فإن مراقبين يرون أن خطاب “نقطة التحول” الذي ألقاه المستشار أولاف يعني إحداث تغييرات جذرية في ثقافة وسياسات الجيش الألماني ما يعني أن فترة زمنية لا تتجاوز العام ليست كافيا.