SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

السلاح النووي الإسرائيلي واحتماليات استخدامه في حرب تأخذ طابعاً دينياً ووجودياً

كتب رياض قهوجي في النهار العربي

طالب وزير الدفاع الإسرائيلي السابق وعضو الكنيست وزعيم حزب “إسرائيل بيتنا” اليميني أفيغدور ليبرمان بأن تلجأ إسرائيل إلى كافة الوسائل العسكرية، حتى القدرات “غير التقليدية”، لوقف برنامج إيران النووي. واعتبرت وسائل إعلام عدة كلام ليبرمان في مقابلة أخيرة له مع موقع “واللا” العبري، أنه كان يدعو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو إلى استخدام السلاح النووي لضرب إيران. 

وكما هو معلوم، فإن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الشرق الأوسط التي تملك برنامجاً نووياً عسكرياً، حيث يُقدّر أن في ترسانتها ما لا يقلّ عن 100 رأس نووي. وبحسب مصادر عسكرية غربية، فإن إسرائيل زودت عدداً من صواريخها الباليستية من طرازي “أريحا-2″ و”أريحا-3” المنتشرة حول تل أبيب برؤوس نووية. كما سلّحت صواريخ جوّالة في غواصاتها من طراز “دولفن” برؤوس نووية. هذا إضافة إلى بعض القنابل التي تُلقى من الطائرات الهجومية. وغالباً ما يغيب عن بال العديد عندما يستمعون إلى تصريحات مسؤولين في محور الممانعة عن نيتهم إبادة إسرائيل، بأن تل أبيب هي حتى الآن القوة الوحيدة في المنطقة التي تملك سلاحاً (النووي) يستطيع أن يفني دولة بشكل كامل.

لم يكن ليبرمان المسؤول الإسرائيلي الأول الذي يلمّح إلى استخدام السلاح النووي، ولن يكون الأخير. فهو سلاح حصلت عليه الدولة العبرية نتيجة تواطؤ مسؤولين في قوى غربية مثل فرنسا والولايات المتحدة، وعبر عمليات استخباراتية معقّدة. وبحسب سيمور هيرش في كتابه الشهير “خيار شمشون” حول برنامج إسرائيل النووي، فإن قادة إسرائيل قالوا بعد نجاح أول تجربة نووية لهم: “Never Again”، أي أن هذا السلاح سيمنع تعرّض اليهود لمحرقة جديدة، ويجنّبهم التحوّل مجدداً إلى شعب مشرّد بلا وطن. وبمساعدة غربية وحتى دولية، مارست إسرائيل طوال العقود الماضية سياسة الغموض بشأن امتلاكها سلاحاً نووياً، على الرغم من تسريب صور من داخل منشآت ديمونة. وكان الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز يردّد أن إسرائيل لن تكون أول دولة تستخدم السلاح النووي في المنطقة. واعتبر المحلّلون ذلك بمثابة تعهّد إسرائيلي بعدم استخدام السلاح النووي ضدّ خصومها العرب ما دامت المواجهة في الأسلحة التقليدية، ولا يمتلك أحدهم أي أسلحة دمار شامل.

ويعتبر البعض، أن سياسة تسليح إسرائيل من القوى العظمى بشكل عام، والغربية بشكل خاص، لتكون الأقوى عسكرياً في المنطقة، هو لترسيخ الشعور بالأمان والتفوق لدى قادة إسرائيل، لتجنّب التفكير في الخيار النووي. من هنا،كان هذا التركيز خلال العقود الماضية على منع أي من الدول الشرق أوسطية من اقتناء أسلحة دمار شامل: نووية وبيولوجية وكيميائية. وقامت إسرائيل بتدمير المنشآت النووية في العراق وسوريا، في حين امتنع الاتحاد السوفياتي عن تزويد حلفائه في المنطقة، مثل مصر والجزائر، بأي قدرات نووية عسكرية. 

قام العراق بتطوير برنامج للأسلحة الكيماوية، خصوصاً خلال فترة حربه مع إيران. ولم يكن هناك معارضة شديدة من الغرب، بل كان هناك تغاضٍ عن تزويد شركات أوروبية لمعدات ومواد سمحت للعراق بأن يصنع تشكيلة مهمّة من الأسلحة الكيماوية التي استخدمها ضدّ القوات الإيرانية، ولاحقاً ضدّ قرى كردية لقمع حركات تمرّد فيها. وعندما أطلق صدام حسين صواريخه الباليستية على إسرائيل، وهدّد باستخدام السلاح الكيميائي ضدّها، تحول امتلاكه لهذا السلاح عنواناً لحملات عدّة أدّت في نهاية الأمر إلى اجتياح العراق وإسقاطه. باختصار، يعتمد الغرب منذ سنوات، بمساعدة أو تجاهل من روسيا والصين، سياسة تقوم على منع أي دولة في الشرق الأوسط من امتلاك سلاح دمار شامل، ليس لحماية إسرائيل فحسب، بل لمنع الأخيرة من اللجوء إلى ترسانتها النووية في حال الشعور بتهديد وجودي. 

شعور الوجود عند إسرائيل يختلف عنه عند جيرانها. فسكان دول المنطقة هم شعوبها الطبيعية، ولدوا فيها وتوارثوها أباً عن جد، في حين أن أغلبية الشعب الإسرائيلي من المهاجرين من أوروبا وروسيا وأميركا ودول أخرى. ولا تزال إسرائيل تعتمد على قدوم المهاجرين اليهود لتحقيق نمو ديموغرافي واقتصادي وبشري. وفي حال فقدت إسرائيل تفوقها العسكري التقليدي، وباتت عرضةً لهجمات مدمّرة وموجعة لجبهتها الداخلية، فهي ستشهد حركة هجرة معاكسة تجعلها أمام خطر وجودي حقيقي. وهذه إحدى أسباب تبنّي إسرائيل منذ نشأتها عقيدة عسكرية قائمة على شنّ حروب سريعة ونقلها إلى أرض العدو لتجنيب الجبهة الداخلية الخطر. 

لكن هجمات 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 وما تلاها من حروب على جبهتي إسرائيل الشمالية والجنوبية، إضافة إلى مواجهة قصيرة انما عنيفة بالصواريخ والمسيّرات مع إيران، كشفت عن تآكل في هيبة الردع الاسرائيلي وفقدانها القدرة على حماية جبهتها الداخلية. وقرار نتنياهو إطالة الحرب لخدمة أجندته السياسية سيزيد حتماً من مستوى الخوف بين الإسرائيليين، ما يثير التساؤلات حول قدرة الدولة العبرية على الاستمرار إذا كانت عاجزة عن حماية سكانها الذين تحمل أغلبيتهم جوازات سفر خاصة بدول أجنبية، ويستطيعون الانتقال إليها. وتكشف تعليقات المحللين العسكريين في إسرائيل خلال الأشهر الأخيرة، عن القناعة بأن سياسة إسرائيل الدفاعية التي اعتُمدت في العقود الماضية، لم تعد مجدية أمام التهديدات الجديدة، والحاجة إلى تطوير سياسة جديدة تركّز على مواجهة إيران عسكرياً بشكل مباشر، من أجل إضعاف قدرات وكلائها في المنطقة. فالتركيز على الوكلاء فقط من دون الأصيل (أي إيران) لم يعد مجدياً، كما قال ليبرمان في مقابلته الأخيرة.

طبعاً، امتلاك إيران سلاحاً نووياً يشكّل كابوساً كبيراً لإسرائيل، تعمل واشنطن وحلفاؤها جاهدين منذ سنوات على تخفيف وقعه على تل أبيب. ولجأت هذه القوى إلى خطوات عدة لوقف هذا البرنامج أو تجميده أو إبطائه، إنما فشلت جميعها لأسباب عديدة. المهم هو أن هذا البرنامج تقدّم كثيراً، وباتت طهران تملك كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب بنسبة 60 في المئة – وهي نسبة ليست بعيدة عن 90 في المئة للاستخدام العسكري. ويقدّر الخبراء أن طهران في حال قرّرت رفع التخصيب حتى 90 في المئة فهي ستملك خلال أيام ما يكفي من اليورانيوم لتصنيع ما لا يقلّ عن ثلاث قنابل نووية. طبعاً، ستحتاج إيران لنحو عام من أجل التمرّس في تصنيع رأس حربي واختباره، قبل أن تبدأ في عمليات الإنتاج. وبحسب تقرير أخير لوكالة “رويترز”، أظهرت صور الأقمار الاصطناعية توسعاً في إنتاج الصواريخ الباليستية في إيران، وهي ستكون الوسيلة الأفضل لإيران لتحميل رأس حربي نووي. استخدام كثافة النيران عبر إطلاق عشرات الصواريخ دفعة واحدة هي أنجع وسيلة لإيران لاختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية. 

يعطي الطابع الديني الأيديولوجي بعداً خطراً للصراع المتصاعد بين إسرائيل وإيران وحلفائها في محور الممانعة. فالحروب الدينية تُعتبر الأكثر دموية في التاريخ وتكون حروباً شاملة. ازدادت في السنوات الأخيرة قوة الأحزاب اليمينية الدينية في إسرائيل، وهي تسيطر اليوم على الحكومة التي يترأسها نتنياهو. هذا، في وقت تسيطر القوى الدينية المحافظة على مفاصل الحكم في إيران بمساعدة الحرس الثوري الإيراني. يعمل التدخّل والدعم العسكري الأميركي على تخفيف تنامي الشعور بالتهديد الوجودي في إسرائيل. لكن، هل ستتمكن واشنطن من توفير دعم قوي ودائم إذا طالت الحرب أشهراً بقيادة نتنياهو وتحالف اليمين المتشدّد؟ هل توسّع الحرب وتساقط مئات الصواريخ والمسيّرات على إسرائيل مخلّفة خسائر غير مسبوقة بالبشر والحجر سيرفعان من حجم التهديد الوجودي إلى مستوى تبرّر القيادة الإسرائيلية لنفسها استخدام السلاح النووي؟ هل هكذا سيناريو واحتمالية حصوله ما يدفع بأغلبية القوى العالمية نحو منع التصعيد بين إسرائيل وإيران؟ 

تداعيات استخدام إسرائيل للسلاح النووي ستكون هائلة وعالمية، خصوصاً في حرب أوكرانيا حيث تهدّد موسكو يومياً بالخيار النووي. والحال نفسه ينطبق على الصراع بين الكوريتين. كما أن للسلاح النووي آثاراً ضارّة طويلة الأمد على البلد المستهدف ومحيطه. وعلى الرغم من أن لجوء إسرائيل إلى الخيار النووي حالياً غير مطروح، فيجب عدم استبعاده كلياً مع طول أمد الحرب وطغيان البعد الديني عليها. يجب على اللاعبين الإقليميين والدوليين كافة، العمل على إعادة الصراع الفلسطيني – الإسرائيلي إلى بعده الوطني، لتفادي الإنزلاق أكثر نحو حرب دينية وجودية.

شارك الخبر: