حققت هولندا إنجازًا بالغ الأهمية في عام 2024 وذلك بتلبية متطلبات حلف شمال الأطلسي (الناتو) بتخصيص 2% من ناتجها المحلي الإجمالي للإنفاق الدفاعي.
ويمثل هذا تحولًا كبيرًا في السياسة العامة بعد عقود من تقليص الميزانيات العسكرية، مدفوعًا بالتهديدات العالمية المتزايدة مثل الحرب في أوكرانيا وتوسع الوجود العسكري الصيني.
هولندا والانفاق الدفاعي
تاريخيًا، التزمت هولندا بمفهوم ” فوائد السلام“ بعد الحرب الباردة، حيث وصل الإنفاق الدفاعي إلى أدنى مستوياته بنسبة 1% فقط من الناتج المحلي الإجمالي في عام 2013. وأدت الأزمة المالية في عام 2008 إلى تفاقم هذا الانخفاض، حيث أدت تدابير التقشف إلى تخفيضات كبيرة في التمويل العسكري.
ولكن أبرزت أحداث مثل ضم روسيا لشبه جزيرة القرم في عام 2014 والتوغل في أوكرانيا في عام 2022 نقاط الضعف في أوروبا، مما فرض إعادة تقييم أولويات الدفاع.
واستجابةً لذلك، اعتمدت الحكومة الهولندية قانون الالتزامات المالية الدفاعية، مما يضمن استمرار الاستثمار في قطاع الدفاع. ويُعدّ تحقيق نسبة 2% من الناتج المحلي الإجمالي المستهدفة في عام 2024 دليلاً على هذا الالتزام، مما يمكّن من تحديث القوات المسلحة وتعزيز الأمن القومي.
وتشمل المبادرات الرئيسية تحديث المعدات العسكرية المتطورة وتوسيع برامج التدريب بالإضافة إلى زيادة عدد الأفراد. كذلك يتم توجيه الاستثمارات إلى أنظمة الدفاع الصاروخية والأمن السيبراني والحرب الإلكترونية لمواجهة التهديدات المتطورة مثل الهجمات الإلكترونية والحرب الهجينة.
تلبية أهداف الناتو
وفي سبتمبر من العام الماضي، أعلن وزير الدفاع الهولندي روبن بريكلمانز أن بلاده تعتزم زيادة ميزانيتها الدفاعية بمقدار 2.4 مليار يورو (2.7 مليار دولار) سنويا لتصل إلى 24 مليار يورو بحلول عام 2028.
وقال بريكلمانز إن هذه الزيادة في الأموال سوف تستخدم في شراء دبابات وطائرات وسفن جديدة، وسوف تؤدي إلى تلبية هولندا لهدف الحلف المتمثل في إنفاق ما لا يقل عن 2% من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.
يتماشى هذا التطور مع توجّه أوسع لحلف الناتو، حيث عززت الدول الأعضاء الأخرى ميزانيات الدفاع أيضًا. فقد خصصت الولايات المتحدة، وهي أكبر مساهم، 28.791 تريليون دولار للدفاع في عام 2024، وهو ما يمثل 66% من إجمالي نفقات الناتو. وفي الوقت نفسه، تسلط ميزانيات الدفاع الروسية والصينية الضوء على المنافسة العالمية المتزايدة، حيث خصصت روسيا 120 مليار دولار لعام 2025، بينما أنفقت الصين 231 مليار دولار في عام 2024.
وعلى الرغم من التقدم المحرز، لا تزال التحديات قائمة. فالموازنة بين الإنفاق الدفاعي والأولويات الوطنية الأخرى مثل الرعاية الصحية والتعليم مسألة ملحة. بالإضافة إلى ذلك، يتطلب التكيف مع التطورات التكنولوجية مثل الحرب السيبرانية والأسلحة ذاتية التشغيل استثمارًا مستدامًا. وقد أكد مسؤولو الناتو على أن هدف 2% من الناتج المحلي الإجمالي يجب أن يُنظر إليه كحد أدنى وليس كسقف، وحثوا على زيادة إضافية لمعالجة الثغرات المتراكمة والاستعداد للتهديدات المستقبلية.
وتبدي هولندا، التي تلتزم بلعب دور نشط داخل الحلف، استعدادها للنظر في إمكانية زيادة ميزانية الدفاع.
وفي ظل تصاعد التوترات العالمية، يؤكد تحقيق هولندا لهدف الـ 2% على التزامها بالأمن القومي ومهام الناتو الجماعية. وتشير هذه الخطوة إلى التزام طويل الأجل بتعزيز القدرات العسكرية في بيئة جيوسياسية غير مستقرة بشكل متزايد.