أهم ما في الاتفاقيات التي وقعها قادة المملكة، يتقدمهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو نقل التكنولوجيا في جميع القطاعات، وتحديداً الذكاء الاصطناعي
كتب رياض قهوجي في “النهار”:
وقعت السعودية على اتفاقية دفاع مع الولايات المتحدة وصفت بأنها الأكبر في التاريخ حيث وصلت قيمتها إلى 142 مليار دولار. وتضمنت الصفقة شراء أسلحة ومعدات عسكرية وبرامج تدريب في مجالات عدة. وسيتم تنفيذ هذه الاتفاقية على مدى سنوات عدّة، يتوقع أن تشهد فيها القدرات الدفاعية للمملكة نمواً ملحوظاً، خاصة في مجال الصناعات المحلية.
أهم ما في الاتفاقيات التي وقعها قادة المملكة، يتقدمهم ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، هو نقل التكنولوجيا في جميع القطاعات، وتحديداً الذكاء الاصطناعي. فالبرامج الإنمائية التي وضعتها السعودية تركز بشكل كبير على تنويع الصناعات في مجالات التكنولوجيا كافة. وأهم تحدٍّ تواجهه الدول المستوردة للسلاح هو الخشية من انقطاع سلسلة الإمداد وتوقف استلام قطع الغيار بسبب عراقيل لوجستية أو خلافات سياسية قد تستجد مع مرور الزمن مع المنتجين.
هدف كل دولة تريد أن تمتلك قدرات دفاعية متقدمة تردع خصومها هو أن يكون لها مستوى من الاكتفاء الذاتي. وهذا ما تسعى المملكة لتحقيقه عبر الاتفاقيات الأخيرة، وغيرها من الخطوات التي بدأتها قبل سنوات بإنشاء صناعات دفاعية محلية. ولتطوير هذه الصناعات تحتاج الدولة لأخذ الخطوات الآتية:
• تدريب كوادر محلية من علماء وتقنيين، ويتم ذلك بتوجيه مناهج تربوية وجامعية، إضافة الى إحضار خبراء من الخارج لتدريب وتخريج يد عاملة محلية. فالعنصر البشري هو أهم مكون لامتلاك صناعات دفاعية محلية، وهو ما تعمل القيادة السعودية على تحقيقه.
• نقل تكنولوجيا من دول تمتلك صناعات دفاعية متقدمة. فهذا يوفر على الجهة المستورة سنوات طويلة من البحث والتطوير ويعطيها القدرة على تصنيع ما تريده القوات المسلحة من قطع غيار أو أسلحة، إضافة الى معرفة تمكن الصناعات المحلية من البناء عليها في عمليات أبحاث وتطوير جديدة لتغطية حاجات الأسواق المحلية أو الإقليمية. وتشترط دول الخليج، ومنها السعودية على الشركات الكبرى أن تتضمن أي صفقة عملية لنقل المعرفة وتطوير صناعات محلية. ويتم ذلك عادة بالتعاون مع شركات محلية قائمة أو بناء مصانع محلية جديدة.
• وضع الحكومة لخطط إنفاق دفاعي تسمح بضخ أموال بشكل مدروس ومستمر في السوق المحلية لتوفير سيولة لأعمال الأبحاث والتطوير والتي تمكن هذه الشركات من ابتكار وتصنيع منظومات دفاع ومعدات محلية. حتى بعض العقود التي تذهب لشركات أجنبية قد تتضمن بنوداً تشترط عليها إنفاقها بتصنيع أجزاء من منظوماتها في شركات الدفاع المحلية. وتوقيع الدولة على عقود دفاعية لا يعني بالضرورة وجود تهديد آني محدد يتطلب منها رفع مشترياتها الدفاعية. ففي الدول التي تملك شركات دفاع محلية، يعد الانفاق الدفاعي جزءاً من آلية تعزيز الصناعات المحلية ومنحها القدرة على ابتكار منظومات جديدة للقوات المسلحة الوطنية، وللتصدير للخارج.
تسعى السعودية في العقد المقبل لتحقيق اكتفاء ذاتي بنسبة 50%. وهي أنشأت لهذه الغاية شركات دفاعية عدّة يعمل معظمها تحت إدارة الشركة السعودية للصناعات العسكرية (سامي). كما أن القيادة السعودية أنشأت الهيئة العامة للصناعات العسكرية التي تقوم بتنظيم وتطوير الصناعات الدفاعية المحلية والاشراف عليها. وتصنع المملكة اليوم عربات مصفحة هجومية وناقلات جند مدرعة وطائرات مسيرة للرصد والهجوم، وذخائر خفيفة وثقيلة متنوعة، وقنابل ذكية، وصواريخ موجهة متنوعة وأنظمة اتصال ومعدات الكترونية وعسكرية مختلفة.
أهم ما تسعى المملكة للحصول عليه هو مقاتلات الجيل الخامس أو السادس. وهي تفاوض منذ فترة للحصول على مقاتلات أف-35 الأميركية، أو الدخول كشريك بمشروع تطوير مقاتلة “تمبست” البريطانية والذي يضم دولاً مثل اليابان وإيطاليا. ووقعت المملكة مؤخراً اتفاقية مع شركة لوكهيد مارتن الأميركية لتصنّع محلياً أجزاء من مكونات منظومة ثاد المضادة للصواريخ الباليستية. طبعاً الصين تحاول تعزيز وجودها في سوق الصناعات الدفاعية السعودية حيث تمكنت من بناء مصنع للطائرات المسيرة طراز سي اتش-4 ووقّعت قبل عام 2022 على اتفاق لبناء مصنع لمسيرات الوينغ لونغ-2 في المملكة. وجاء تعاون السعودية مع الصين دفاعياً نتيجة رفض واشنطن تزويد المملكة بمسيّرات بعيدة المدى لمهام الرصد والهجوم.
من غير الواضح حتى الآن إذا ما كان التطور الأخير بالعلاقات الدفاعية مع واشنطن سيؤثر على برامج التعاون الدفاعي للسعودية مع الصين. فأميركا تريد منع الصين من بناء علاقات أمنية وعسكرية استراتيجية مع دول المنطقة، ولقد أظهرت مؤخراً مرونة بنقل تكنولوجيا متعلقة بالذكاء الاصطناعي كمحفز لثني دول الخليج عن شراء أي تكنولوجيا دفاع واتصالات من الصين. وسيتابع المراقبون تداعيات الاتفاقيات الدفاعية الأخيرة بين الرياض وواشنطن لمعرفة حجمها الفعلي ومدى تأثيرها على العلاقات العسكرية بين المملكة وبكين.