شمشون هو أحد أنبياء اليهود، وكان يملك قوى خارقة، وعندما أُسر وواجه خيار الإذلال، آثر الموت وقام بهدم المبنى على نفسه وأعدائه وقتلهم. وبلغة اليوم العسكرية، نفذ شمشون هجوماً انتحارياً.
كتب رياض قهوجي في “النهار”:
عندما تتحدث القيادات الإسرائيلية عن مواجهة خطر وجودي، وتنمّي عبر خطاباتها هذا الشعور لدى الشعب، وتشن حروباً تحت هذا الشعار، فلا بد أن يتساءل المراقبون عن الخط الأحمر الذي قد يدفع هذه القيادات للجوء إلى الخيار النووي، خاصة في منطقة تحتكر فيها إسرائيل حيازة هذا السلاح. فتقديرات مراكز الدراسات العسكرية تشير إلى امتلاك إسرائيل لما لا يقل عن تسعين رأساً نووياً متعدد الأحجام من التكتيكي وصعوداً إلى مدمر الدول بحالها. ويتعاظم شعور القلق عندما تتحدث القيادات الإسرائيلية عن تصميمها على منع أي دولة إقليمية من اقتناء أي برنامج نووي بدورة وقود كاملة تمكّن الدولة من توسيع استخداماته لأغراض عسكرية وبناء سلاح نووي. والشعور بالتهديد الوجودي من إيران مرتكز على خطابات وشعارات قيادات الجمهورية الإسلامية الداعية لإزالة إسرائيل من الوجود والتوعد بذلك.
وبالرغم من إصرار المسؤولين الإيرانيين على سلمية برنامجهم النووي وتكرار الحديث عن فتاوى المرشد الأعلى بتحريم الأسلحة النووية، إلا أن الغموض الذي يكتنف بعض أجزاء البرنامج النووي واكتشاف مواقع سرية للتخصيب ووصول مستويات كميات كبيرة من اليورانيوم المخصب لنسبة ستين في المئة، عززت شكوك المجتمع الدولي بسلمية هذا البرنامج. كما أن بناء طهران لترسانة كبيرة من الصواريخ الباليستية والجوالة، والتي تستطيع حمل رؤوس نووية، زاد من قناعة العديد من الخبراء بأن طهران تسعى لبناء أسلحة نووية.
تستمر الولايات المتحدة والقوى الغربية بتنفيذ التزامها القديم نحو إسرائيل بإبقائها متفوقة عسكرياً في الشرق الأوسط عبر مدّها بأحدث الأسلحة، وإرسال قوات عند الحاجة للمشاركة بحمايتها من أي هجمات قد تفوق طاقتها، كما شهدنا خلال بعض الهجمات الصاروخية الإيرانية العام الماضي. كما تحصل إسرائيل على الأموال والذخائر بسرعة من هذه الدول عند الحاجة خلال حروبها، كما شهدنا منذ هجمات 7 أكتوبر 2023 الشهيرة والتي أشعلت سلسلة الحروب الأخيرة لهدف أساسي تكرره القيادات بإسرائيل وهو إزالة التهديد الوجودي، وتحديداً برنامج إيران النووي.
ولإبقاء إسرائيل متفوقة عسكرياً، تساهم هذه القوى الغربية بالتستّر على ترسانة إسرائيل النووية، وتمنع انتشار السلاح النووي في دول أخرى بالمنطقة. وبما أن قيادات في إسرائيل كانت تعتبر “حماس” و”حزب الله” والنظام السوري خطوط دفاع وهجوم متقدمة للنظام الإيراني ضمن ما يعرف بمحور الممانعة، كان لا بد لتل أبيب أن تعمد لتحييد هذه الجبهات قبل توجيه ضربة عسكرية لبرنامج إيران النووي وقدراتها الصاروخية.
يقول الكاتب والصحافي الأميركي الشهير سيمور هيرش في كتابه عن أسرار بناء برنامج إسرائيل النووي، أن هدف المشروع هو منع شعب إسرائيل من الشعور بتهديد وجودي يجبره على التشرد في الأرض بلا وطن ويعاني كما حدث لأسلافه في أوروبا بالحرب العالمية الثانية. وينقل عن الرئيس الإسرائيلي الراحل شيمون بيريز، وهو أبو برنامج إسرائيل النووي، عندما أبلغوه بنجاح أول تجربة تفجير نووي، قوله: “لن يتكرر أبداً”، عانياً تشريد اليهود بلا وطن.
في تصاريحه عن الأسلحة النووية، أشار بيريز إلى أن إسرائيل لن تكون أول من يستخدم سلاحاً نووياً، التي اعتبرها أسلحة للردع. وشكل هذا أساس عقيدة إسرائيل النووية، أي استخدامه كآخر ملاذ ضد تهديد وجودي حتمي. ويعتقد الخبراء أن إسرائيل سلحت صواريخها الباليستية طراز أريحا-3 وبعض صواريخها الجوالة على متن غواصاتها طراز دولفن وبعض صواريخها جو-أرض برؤوس نووية، أي أنها تملك قدرة هجوم نووي ثلاثي: بري، بحري وجوي.
وكون إسرائيل دولة صغيرة الحجم وتفتقر إلى العمق الجغرافي، وتعتمد على استمرار هجرة اليهود إليها، فهي حساسة جداً لأي تهديد قد يؤثر على استمراريتها. وتنامي نفوذ الأحزاب الدينية اليمينية المتطرفة ووصولها إلى مراكز القرار يفاقم من قلق المراقبين من كيفية تعامل هذه القيادات عند شعورهم بالخطر الوجودي، واللجوء لما أطلق عليه هيرش “خيار شمشون”. وشمشون هو أحد أنبياء اليهود، وكان يملك قوى خارقة وعندما أسر وواجه خيار الإذلال، آثر الموت وقام بهدم المبنى على نفسه وأعدائه وقتلهم. وبلغة اليوم العسكرية، نفذ شمشون هجوماً انتحارياً.
خلال السنوات الأخيرة لمّح بعض السياسيين والمسؤولين الإسرائيليين إلى السلاح النووي، طبعاً دون الاعتراف بامتلاكه. إنما بلا شك، فإن إمكانية لجوء إسرائيل إلى ترسانتها النووية تبقى هاجساً لدى العديد، وربما يكون هذا أحد الحوافز للقوى الغربية لمدها بالسلاح ودعمها عسكرياً، لرفع منسوب الأمان لدى قادتها ومنعهم من التفكير في “خيار شمشون”.