كتب رياض قهوجي في موقع “Breaking Defense”:
شهدت العلاقات الأمنية بين الصين ودول الشرق الأوسط تحسّنًا ملحوظًا في السنوات الأخيرة، مستفيدةً من الفجوة في الاحتياجات الدفاعية المحلية التي خلّفتها قيود التصدير الصارمة المفروضة من الدول الغربية، ولا يبدو أن هذا التوجّه سيتباطأ قريبًا.
ويقول خبراء دفاع إقليميون لموقع Breaking Defense إن هذه العلاقات لا تزال محدودة في الوقت الراهن، لكنهم يحذرون من إمكانية تغيّر ذلك مستقبلاً، خصوصًا إذا لم تعزز واشنطن شراكاتها الدفاعية الوثيقة والملزمة التي تسعى إليها بعض دول الخليج العربية الحليفة للولايات المتحدة.
أحدث مظاهر تحسن العلاقات الأمنية بين الصين ودول المنطقة هو التمرين البحري المشترك الذي أطلقته البحرية الصينية في 20 أكتوبر مع القوات البحرية الملكية السعودية قبالة الساحل الشرقي للمملكة. ويحمل التمرين اسم «السيف الأزرق 2025»، وهو النسخة الثالثة من التمرين السنوي المشترك بين البلدين الذي يستمر أسبوعين.
وقال جمال سلطان، الباحث البارز في مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة: “الصين لا تفوّت أي فرصة لتطوير علاقاتها الأمنية مع دول المنطقة”.
فيما أوضح حسين إبيش، الباحث المقيم في معهد دول الخليج العربية في واشنطن، أن “الصين تسعى إلى توسيع موطئ قدمها الاستراتيجي في المنطقة”، وأحد السبل لتحقيق ذلك هو بيع أنظمة دفاعية تؤسس لعلاقات استراتيجية طويلة الأمد.
وقد باعت الصين طائرات مسيّرة للمراقبة والهجوم بعيدة المدى ومتوسطة الارتفاع مثل CH-4 “رينبو” وGJ-1 “وينغ لونغ 2” إلى السعودية والإمارات في دفعات مختلفة بين عامي 2010 و2018، بعد أن رفضت الولايات المتحدة تلبية طلبات حلفائها العرب لاقتناء طائرات MQ-9.
وأوضح سلطان أن “كلما رفضت واشنطن تزويد أحد حلفائها العرب بتكنولوجيا دفاعية معينة، لا تتردد الصين في تلبية هذه الطلبات”.
ويرى محللون أن بيع أنظمة دفاعية كبرى لدول نفطية غنية يمنح الصين موطئ قدم ثابتًا في المنطقة.
وقال عبد العزيز صقر، رئيس مركز الخليج للأبحاث في الرياض: “شراء الأسلحة ليس صفقة لمرة واحدة، بل هو بداية علاقة طويلة الأمد. فالعمر الافتراضي لأنظمة الأسلحة الكبرى يتراوح عادة بين 20 و25 عامًا، مما يخلق اعتمادًا استراتيجيًا وتقنيًا مستمرًا بين المورد والعميل”.
وفي محاولة للرد على هذا التوجه، أعلنت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب في 15 سبتمبر عن تخفيف القيود على بيع الطائرات المسيّرة الأميركية للمنطقة، لتعزيز قدرتها التنافسية في مواجهة المصدّرين الآخرين، ولا سيما الصين.
الضمانات الأمنية
يشير الخبراء الأمنيون في الشرق الأوسط إلى أن المسألة بالنسبة للدول الإقليمية تتجاوز مجرد الحصول على تكنولوجيا دفاعية جديدة أو علاقات أمنية طويلة الأمد — إنها تتعلق بالالتزامات الأمنية.
وقال سلطان: “رغم أن الصين توسّع علاقاتها الدفاعية في المنطقة، إلا أن ذلك لا يصاحبه تحمّل لمسؤوليات أمنية، فالصين لا ترغب في الاضطلاع بأي التزامات دفاعية أو أمنية تجاه دول المنطقة”.
وأضاف صقر أن “الصين تفتقر إلى القدرات اللوجستية والعملياتية العالمية التي تمكّنها من دعم شركاء دفاعيين في الخارج على نطاق واسع. على عكس الولايات المتحدة، لا تمتلك الصين القدرة العسكرية الاحتياطية التي تتيح لها تقديم ضمانات أمنية أو صيانة أنظمة تسليح معقدة في الخارج”.
وأشار إبيش إلى أن “الصين لا يمكنها أن تحل محل الولايات المتحدة كضامن أساسي لأمن المنطقة”، وهو الدور الذي احتكرته واشنطن على مدى نصف قرن.
وبعد الضربة الجوية الإسرائيلية على العاصمة القطرية الدوحة في 9 سبتمبر، تحركت إدارة ترامب بسرعة للحد من الأضرار التي لحقت بمصداقيتها لدى حلفائها العرب، حيث وقّع ترامب في 29 سبتمبر أمرًا تنفيذيًا يلتزم فيه بدفاع الولايات المتحدة عن قطر في حال تعرضت لأي عدوان.
ويرى محمد بحارون، المدير العام لمركز دبي لبحوث السياسات العامة، أن هذا الالتزام “لا يتمتع بعمر طويل ولا يمكن أن يشكل مظلة شبيهة بالناتو”.
ويقول إبيش إن الولايات المتحدة “في نهاية المطاف ستضطر إلى منح شركائها العرب مثل السعودية والإمارات ضمانات مماثلة، وربما تصل إلى حد المعاهدات المصادق عليها من مجلس الشيوخ الأميركي، وإلا فإنهم سيتجهون بقوة نحو تنويع شراكاتهم الاستراتيجية”.
المصالح الإقليمية الصينية
يحذر الخبراء من أن على واشنطن ألا تستهين بحلفائها العرب، خصوصًا في ظل التواجد الصيني المتجذر والمتنامي في المنطقة.
وتعود العلاقات الدفاعية بين السعودية والصين إلى أواخر الثمانينيات، عندما اشترت الرياض صواريخ باليستية صينية من طراز DF-3 — يُقال إن ذلك تم بموافقة أميركية. وفي عام 2007، حصلت السعودية على صواريخ DF-21 الأكثر تقدمًا، وفي عام 2019 بدأت برنامجًا سريًا مع بكين لإنتاج الصواريخ محليًا.
وأوضح صقر أن “مجال التعاون العسكري الأبرز بين البلدين يبقى البرنامج الاستراتيجي الصاروخي، وهو إرث من سبعينيات القرن الماضي تم تنفيذه في الأصل بموافقة أميركية. ويظل هذا البرنامج ركيزة القدرات الردعية الاستراتيجية للسعودية المرتبطة بالتكنولوجيا الصينية”.
لكن الخبراء يرون أن الصين لا تسعى حاليًا إلى تقويض النفوذ الأميركي في الشرق الأوسط، بل تسعى لضمان التدفق الآمن للنفط والغاز من المنطقة إلى سواحلها، إذ تستورد الصين أكثر من نصف احتياجاتها من النفط الخام من الشرق الأوسط.
وقال عبد المنعم سعيد، رئيس مجلس إدارة المركز المصري للدراسات الاستراتيجية وعضو مجلس الشيوخ المصري: “لدى الصين مصالح اقتصادية بحتة في المنطقة، خاصة في مجال النفط، وهي سعيدة بأن ترى الولايات المتحدة تتحمل كلفة تأمين المنطقة وممراتها المائية التي تسمح بتدفق النفط من الشرق الأوسط إلى الصين، وكذلك السلع الصينية إلى المنطقة”.
وأضاف إبيش أن “مصلحة الصين تكمن في أن تواصل الولايات المتحدة ضمان حرية الملاحة عبر الخليج والبحر الأحمر وقناة السويس. في الوقت نفسه، ستسعى الصين تدريجيًا إلى تعزيز وجودها الاستراتيجي في المنطقة وبناء علاقات أعمق مع شركاء الولايات المتحدة الإقليميين. هذه ستكون عملية طويلة الأمد جدًا، وربما يأتي يوم حين لن يلاحظ أحد في العالم هذا التحول، أو لن يهتم به كثيرًا.”
