كتب رياض قهوجي في موقع “Breaking Defense“:
اتفاقية الدفاع المشتركة بين السعودية وباكستان تُعد تحولاً كبيراً في المشهد الأمني الجيوسياسي المتقلب في الشرق الأوسط — خصوصاً لأنها تضع الرياض الآن تحت المظلة النووية الباكستانية، منهية بذلك احتكار إسرائيل للقدرات النووية في المنطقة.
عندما تم توقيع الاتفاقية الدفاعية في 17 سبتمبر، لم يكن دور الأسلحة النووية واضحاً، ولكن أي شكوك حول تأثيرها الإقليمي تبددت بعد يومين، عندما صرّح وزير الدفاع الباكستاني خواجة آصف أن السعودية ستكون تحت المظلة النووية الباكستانية بموجب الاتفاق.
وفي مقابلة مع قناة “جيو” الباكستانية، قال آصف إن “كل ما نملكه، من قدرات، سيكون متاحاً تماماً” للسعودية، مضيفاً لاحقاً: “أي عدوان ضد أي من البلدين سيُعتبر عدواناً على كلا البلدين.”
ونقلت وكالة “رويترز” عن مسؤول سعودي قوله: “هذه اتفاقية دفاع شاملة تشمل جميع الوسائل العسكرية.”
وقال فيصل الحمد، لواء طيار متقاعد في سلاح الجو السعودي ومحلل دفاعي، لموقع Breaking Defense: “تنص الاتفاقية أساساً على أن أي عدوان أجنبي على أحد الطرفين يُعتبر هجوماً على الطرفين.” وهذا نفس ما قاله آصف تقريباً.
الاتفاق المفاجئ بين السعودية الغنية بالنفط وباكستان، الدولة الإسلامية الوحيدة التي تمتلك سلاحاً نووياً، فاجأ الجميع.
ولم يصدر أي رد رسمي من المسؤولين الأميركيين على الاتفاق، الذي جاء بعد أيام فقط من الغارة الجوية الإسرائيلية على الدوحة، قطر، والتي أثارت ضجة إقليمية حول مصداقية الالتزامات الأمنية الأميركية تجاه شركائها العرب.
عدم تحرك الولايات المتحدة — التي تملك قاعدة “العديد” الجوية في قطر، وهي الأكبر في المنطقة — لإبلاغ القطريين أو منع الهجوم أضر بصورة واشنطن كحليف أمني موثوق. ومنذ ذلك الحين، كثف المسؤولون الأميركيون جهودهم لاحتواء الضرر الذي لحق بالهيكل الأمني الإقليمي الذي بنته أميركا على مدى خمسة عقود.
مع ذلك، نقلت وسائل إعلام محلية عن مسؤولين سعوديين — لم يُذكر اسمهم — أن الاتفاق مع باكستان لا علاقة له بالغارة الإسرائيلية، وأن المناقشات بشأنه بدأت منذ عامين.
وأكد المسؤولون والخبراء السعوديون في الأيام الأخيرة أن الاتفاق لا يستهدف أي جهة معينة، وهو ما شدد عليه أيضاً فيصل الحمد لموقع Breaking Defense بقوله: “الاتفاقية لا تستهدف أي دولة بعينها، بل تستهدف أي دولة تنوي شن عدوان على أي من الطرفين.”

التركيز على العلاقات مع الهند وإسرائيل
رغم تلك التصريحات، من الصعب تجاهل الأثر الكبير للاتفاق على بلدين بالتحديد: الهند وإسرائيل.
فالهند خصم تاريخي لباكستان، وقد خاض البلدان عدة حروب ونزاعات حدودية دائمة غالباً ما تتطور إلى مواجهات عسكرية. آخر تلك الاشتباكات الكبرى كانت في نيسان/أبريل، عندما أسقطت المقاتلات الباكستانية طائرات هندية.
لكن السعودية والهند لم تواجههما خلافات تاريخية، بل تربطهما علاقات صناعية واقتصادية قوية، لذا من غير المنطقي القول إن السعودية تتجه نحو مواجهة مع نيودلهي. وقد صرّح متحدث باسم وزارة الخارجية الهندية في 19 سبتمبر قائلاً إن للهند “شراكة استراتيجية واسعة النطاق” مع السعودية، و”نتوقع أن تأخذ هذه الشراكة في الاعتبار المصالح والحساسيات المتبادلة.”
وبشكل غير متوقع، يرى المحلل الدفاعي السعودي واللواء المتقاعد عبدالله القحطاني أن الاتفاق بين السعودية وباكستان قد يزيد من الاستقرار بين الهند وباكستان.
وقال القحطاني: “هذا الاتفاق سيزيد من احتمالات الاستقرار بين الهند وباكستان، لأن الهند لديها علاقات اقتصادية قوية جداً مع السعودية، كما أن هناك قوة عاملة هندية كبيرة في المملكة، وتوجد علاقة سياسية رفيعة المستوى بين الرياض ونيودلهي قائمة على الثقة.”
وأضاف: “كل ذلك يعزز قدرة الرياض على أن تكون وسيطاً فعالاً بين الهند وباكستان.”
في المقابل، فإن فكرة وجود “مظلة نووية” تغطي السعودية الآن تُغيّر توازن القوى بالنسبة لإسرائيل، القوة النووية غير المعلنة، والتي كانت البلد الوحيد في الشرق الأوسط الذي يملك هذا النوع من القدرات. ولم يصدر أي رد فعل من إسرائيل حتى الآن تجاه هذا التطور.
وشدد وزير الدفاع الباكستاني على أن هذه الاتفاقية لأغراض دفاعية فقط، وليست لشن أي عدوان.
وأضاف القحطاني: “امتلاك مظلة نووية مهم للغاية بالنسبة للسعودية لأنه يعزز من قدرتها على الردع بشكل كبير.” مشيراً إلى أن “الرياض تدرك أن بدء برنامج نووي في الوقت الحالي لتعزيز قدرتها على الردع سيكون أمراً بالغ الصعوبة.”
وكان يشير بذلك إلى إسرائيل، والبرنامج النووي الإيراني، الذي يعتقد الكثيرون أنه بلغ مراحل متقدمة في طريقه نحو التسلّح، حتى بعد الضربات الإسرائيلية التي استهدفت المنشآت النووية خلال “حرب الأيام الـ12” الأخيرة.
علاوة على ذلك، فإن السعودية موقعة على معاهدة حظر الانتشار النووي (NPT)، ولم تقم بأي خطوات نحو بناء قدرات نووية متقدمة.

ماذا عن العلاقات السعودية – الأميركية؟
لا يزال من غير الواضح كيف تنظر الولايات المتحدة إلى هذه الاتفاقية. فقد كانت واشنطن تتفاوض مع مسؤولين سعوديين منذ فترة للتوصل إلى اتفاق أمني، إلا أن مصادر سابقة أشارت إلى أن مستوى العلاقات الدفاعية التي كانت السعودية تسعى لها لا يمكن تحقيقه من قبل الولايات المتحدة.
وقال الدكتور عبد الخالق عبد الله، أستاذ العلوم السياسية الإماراتي: “من الصعب على الولايات المتحدة أن تقدم للسعودية ضمانات أمنية قوية مماثلة لتلك التي تقدمها لإسرائيل.”
واتفق معه القحطاني، قائلاً: “السعوديون يدركون أنهم لن يصلوا أبداً إلى نفس مستوى العلاقة الاستراتيجية التي تربط الولايات المتحدة بإسرائيل.”
لكنه شدد على أن هذه الاتفاقية لا تعني أن الرياض تنوي تقليص علاقتها مع واشنطن.
وأضاف: “السعودية لا تريد التخلي عن علاقتها الأمنية مع الولايات المتحدة لأنها تمنحها ميزة كبيرة، من حيث التكنولوجيا المتقدمة، والتدريب، والأسلحة الحديثة.”
وأشار فيصل الحمد إلى أن السعودية ستفي بجميع التزاماتها واتفاقياتها مع الولايات المتحدة، خصوصاً فيما يتعلق بحماية التكنولوجيا الأميركية ومنع تسريبها إلى أطراف ثالثة.
وأخيراً، تجدر الإشارة إلى أن لباكستان علاقات عسكرية وثيقة مع الصين، كما تمتلك صناعة دفاعية متقدمة، وهو ما قد يثير قلق بعض الدوائر السياسية الأميركية.