إذا ما أثبتت إسلام أباد أنها شريك أمني يعتمد عليه، فهذا حتماً سيفتح الباب واسعاً لدول خليجية وعربية أخرى لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع باكستان. النتيجة الأكيدة للاتفاق، أن مستوى الردع لباكستان والسعودية قد ارتفع كثيراً.
كتب رياض قهوجي في “النهار”:
لا يزال اتفاق الدفاع المشترك الذي أعلن أخيراً من الرياض بين باكستان والسعودية يلقى ردود فعل متعددة نظراً للمفاجأة التي أحدثها وتوقيتها وأبعادها المحتملة؛ فهو أول اتفاق من نوعه بين القوة النووية الإسلامية الوحيدة، باكستان، مع دولة في الشرق الأوسط المضطرب، ولكن ليس أي دولة، بل السعودية التي تعتبر اليوم مركز ثقل العالم العربي، وقوة اقتصادية دولية. وأكثر ما اتفقت عليه التحليلات التي نشرت، هو أن هذا الاتفاق وبما تنص عليه بنوده، يضع السعودية فعلياً تحت المظلة النووية الباكستانية. وهذا بحد ذاته تطور غير مسبوق حيث إنه حتى تاريخ الاتفاق، كانت إسرائيل الدولة الإقليمية الوحيدة التي تملك قوة نووية.
ويعتبر البعض أن توقيت الاتفاق يوجه رسائل لعدة جهات. فهو يأتي بعد أيام من الغارة الإسرائيلية على الدوحة بهدف اغتيال قادة “حماس”. وامتناع الولايات المتحدة عن تفعيل دفاعاتها في قاعدة العديد لحماية قطر، أحدث صدمة لشركائها بالمنطقة وتحديداً دول مجلس التعاون الخليجي التي باتت تشكك بالتزامات واشنطن الأمنية اتجاهها. كما وقع الاتفاق بوقت تتصاعد الأزمة الغربية مع إيران حول ملفها النووي، ما يزيد من احتماليات عودة الحرب مجدداً مع إسرائيل. وكانت إيران استهدفت بصواريخ باليستية قاعدة العديد بقطر، رداً على الغارات الأميركية على منشآتها النووية خلال حرب الاثني عشر يوماً الأخيرة. وهذا يثير الخشية من إمكانية إقدام طهران على مهاجمة دول خليجية في أي حرب مقبلة مع إسرائيل والولايات المتحدة.
كما أن الاتفاق أتى بوقت كان العديد ينتظر نتائج المحادثات الأمنية بين واشنطن والرياض، حيث كانت تأمل السعودية بالتوصل لاتفاق دفاعي واسع وملزم مع الولايات المتحدة، إلا أن هكذا اتفاق دونه عقبات، أهمها مصادقة الكونغرس الأميركي عليه، وهي خطوة ضرورية ليصبح الاتفاق ملزما لواشنطن. كما أنه وبحسب مصادر أميركية مطلعة، فإن واشنطن ليست بوارد منح غطاء نووي للسعودية. إنما يقول إيان بريمر، مدير مجموعة يورو آسيا للدراسات، إن واشنطن كانت على علم بالمحادثات المتقدمة بين باكستان والسعودية، وهي لم تمانع التوصل إلى اتفاق دفاع مشترك بينهما. ولم تعلق الإدارة الأميركية حتى اللحظة بشكل رسمي على الحدث. حتى إن الحكومة الإسرائيلية تجنبت التعليق عليه، حتى الآن.
وكما جرّت الاتفاقية باكستان إلى الشرق الأوسط ومشاكله، فالاتفاق أيضاً دفع بالسعودية أكثر نحو آسيا حيث الأزمة بين باكستان والهند، تقلق العديد داخل البلدين وخارجهما. فالقوتان النوويتان خاضتا عدة حروب مع بعضهما، وآخر المواجهات كانت في أيار / مايو الماضي عندما اسقطت المقاتلات الباكستانية مقاتلتين من سلاح الجو الهندي. إنما، امتلاك السعودية لعلاقات اقتصادية قوية مع الهند قد يساعد الرياض على لعب دور أكثر فعالية بالتوسط بين الطرفين منعاً لأي تصعيد عسكري مستقبلاً، وهو أمر أجمع عليه العديد من المحللين. ويتوقع أن يكون للسعودية حضور أكبر على الساحة الآسيوية مع تنامي العلاقات هناك مع قوى رئيسية مثل الهند، وباكستان، وكوريا الجنوبية، والصين.

ويشكك البعض بأهمية وجدية الاتفاق من منطلق أن باكستان تعتمد بتسليحها اليوم أكثر على الصين، في حين أن مصدر تسليح السعودية هو الولايات المتحدة وأوروبا. وهذا سيوجد تحديات في ربط اتصال هذه المنظومات مع بعضها وقد يخلق إشكالية لهاتين الدولتين مع دول المنشأ. طبعاً يجب متابعة ردود فعل واشنطن وبكين وعواصم غربية عند تنفيذ بنود الاتفاق الجديد. إنما يجب الإشارة الى أن تسليح باكستان كان أميركياً وأوروبياً لفترة طويلة كما أن عقيدتها العسكرية متأثرة بالغرب كثيراً.
ولا تزال تملك باكستان أسلحة بترسانتها العسكرية مثل مقاتلات أف-١٦ وميراج. وهي تمكنت عبر صناعاتها الدفاعية المتقدمة من دمج المنظومات الغربية مع الصينية، وهي تصنع العديد من الأسلحة مثل مقاتلات جي أف-17 ودبابات الخالد ومجموعة كبيرة من الصواريخ الباليستية والجوالة. لذلك، يعتقد بعض الخبراء أن باكستان قد تملك حلولاً تقنية لحل مشكلة التواصل والربط بين منظوماتها العسكرية وتلك لدى القوات السعودية.
ويشكك بعض المراقبين بجدية باكستان بتقديم دعم عسكري للسعودية إذا ما واجهت أي تهديد خارجي. ويذكر البعض رفض إرسال إسلام أباد جنودها إلى اليمن مع انطلاق الحرب ضد الحوثيين كما كان وعد رئيس وزراء باكستان حينها. إنما تجدر الإشارة إلى أن يومها لم يكن هناك اتفاق دفاع مشترك كالذي تم توقيعه الآن. كما أن المؤسسة العسكرية الباكستانية تدعم الاتفاق الأخير، وهو أمر أساسي ولم يكن متوفراً عند بدء الحملة في اليمن. كما أن كلاً من باكستان والسعودية شددتا على أن هذه الاتفاقية هي لأهداف دفاعية، أي عند تعرض أي منهما لعدوان عسكري خارجي. وعليه، فإن الوضع اليوم وشكل الاتفاق لا يشبه أي شيء من الماضي. وستظهر قوة هذا الاتفاق ويصبح أكثر إقناعاً للمشككين عند أول امتحان.
وإذا ما أثبتت إسلام أباد أنها شريك أمني يعتمد عليه، فهذا حتماً سيفتح الباب واسعاً لدول خليجية وعربية أخرى لتوقيع اتفاق دفاع مشترك مع باكستان. النتيجة الأكيدة للاتفاق، أن مستوى الردع لباكستان والسعودية قد ارتفع كثيراً.
