SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

الانفراج في العلاقات الأميركية الإيرانية : أخطار اقتصار التفاهم على المسائل النووية

رياض قهوجي*
يعتبر التقارب الأميركي الإيراني، بشكل عام ، خطوة إيجابية جداً تحظى بدعم كافة الدول، وخصوصاً الدول الحليفة لأميركا في الشرق الأوسط الذين أنهكتهم الحروب المتكررة في مناطقهم الشديدة الاضطراب. فدول مجلس التعاون الخليجي تعتبر من المؤيدين لفكرة شرق أوسط خال من أسلحة الدمار الشامل (WMD) وبالتالي فهي من أكثر الدول قلقاً من برنامج إيران النووي المثير للجدل. وكانت كل من عُمان وقطر قد حاولتا حتى القيام بالوساطة ما بين واشنطن وطهران في وقت سابق. وإيجاد حل سلمي للمواجهة ما بين الغرب وإيران سوف تكون له نتائج أفضل بكثير من الحرب التي قد تجرى في منطقة الخليج العربي وما حولها.

بالنسبة لدول الخليج العربي، فإن الخلافات مع إيران تذهب إلى أبعد بكثير من البرنامج النووي الإيراني المذكور إذ إنها تتعلق أيضاً بسياسة طهران تجاه سوريا والعراق ولبنان، وتجاه مياه الخليج بالإضافة إلى قيامها بتعبئة الجماعات الشيعية في العالم العربي لكي يتحركوا ضد الحكومات المركزية التي ينتمون إليها.

وإسرائيل بدورها لديها وجهة نظر أخرى عن تأثير التهديدات الإيرانية بالنسبة لها، تختلف عن وجهة نظر الرئيس الأميركي أوباما. فكلا الحليفين يختلفان في ما يختص بالجدول الزمني للبرنامج النووي الإيراني حيث تعتقد إسرائيل أن طهران قد تصل إلى عتبة القوة النووية خلال ستة أشهر بينما تعتقد أميركا بأن ذلك قد يستغرق أكثر من عام.

من ناحية أخرى يبدو أن حجم التنازلات التي تتوقعها إسرائيل من البرنامج النووي الإيراني أكبر مما تتوقعه واشنطن. ففيما إسرائيل تريد أن ترى هذا البرنامج مفككاً كلياً، نجد أن الولايات المتحدة واثقة من ناحيتها بأنه بإمكانها أن تتحمل مضي إيران ببرنامج تخصيب محدود. وبالإضافة إلى ذلك، فإن إسرائيل قلقة جداً من توسع رقعة نفوذ إيران من حولها وخصوصاً في سوريا ولبنان والعراق.

ومما يستحق أن يؤخذ بعين الاعتبار أيضاً تقلص بصمة الولايات المتحدة العسكرية في المنطقة من ناحية، وفقدان الشعب الأمريكي الشهية للقيام بأي مغامرات عسكرية أخرى في الشرق الأوسط من ناحية أخرى. ويتجلى هذا التراجع بطريقة أكثر وضوحا نتيجة لقيام الرئيس أوباما بترك قرار تنفيذ ضربات عقابية ضد النظام السوري نتيجة لقيام الأسد باستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه بيد الكونغرس.

وحتى دون أن نأتي على ذكر الانفراج الدبلوماسي الذي حصل في نيويورك الأسبوع الماضي بين القادة الأمريكيين والإيرانيين، فلا بد لأي شخص في واشنطن أن يكون قد سمع خلال الأشهر الأخيرة المسؤولين الأميركيين يقولون بأن العقوبات ضد إيران ما تزال قائمة، وبالتالي ليست هناك حاجة للقيام بعمل عسكري ضدها، وأن الحكومة الإسرائيلية ليس لديها الدعم المحلي لتنفيذ ضربة عسكرية ضد إيران من جانب واحد. لذا فإن دول مجلس التعاون الخليجي لا تتوقع من إدارة الرئيس أوباما أن تقوم بأي عمل عسكري ضد إيران في المدى القريب ولا تعتقد بأن إسرائيل قد تقوم بذلك بمفردها.

ويبدو أن واشنطن التي أثارتها الصفقة الناجحة مع روسيا بخصوص الأسلحة الكيميائية السورية في مجلس الأمن، جعلتها تتحرك بشكل حثيث لتسجيل نجاح دبلوماسي آخر عبر عقد صفقة مع إيران تتعلق ببرنامجها النووي. إلا أن عملية فصل الحرب الأهلية السورية عن قضية أسلحة النظام السوري الكيميائية لن تكون بالسهولة نفسها التي قد يتطلبها فصل برنامج إيران النووي عن مسألة تدخل طهران السياسي في المنطقة.

وبطريقة أكثر وضوحاً، فإننا لا زلنا حتى الآن ننتظر كي نرى نجاح تنفيذ قرار مجلس الأمن رقم 2118 لتفكيك ترسانة الأسلحة الكيمائية السورية في بيئة الحرب الأهلية الدائرة هناك. وبالتالي سوف يكون من الصعب جداً رؤية البيئة الدولية المناسبة للتوصل إلى اتفاق نووي مع إيران في الوقت الذي لا يزال الشرق الأوسط يغلي مع التوتر العرقي والطائفي بتواجد إيران في هذا الخضم.

العديد من الدول العربية خصوصاً دول الخليج ، آثرت دعم الثوار السوريين الذين ينتمون في الغالب إلى الطائفة السنية في نضالهم لقلب نظام الحكم السوري العلوي المدعوم من قبل حلفائه الشيعة أي إيران وحزب الله اللبناني. وقد امتد الصراع السني / الشيعي إلى الدول المجاورة مثل لبنان والعراق. فتورط حزب الله في سوريا دفع دول الخليج العربي إلى وصم حزب الله على انه مجموعة إرهابية وهي على وشك القيام باتخاذ الإجراءات التأديبية الرادعة ضده.

لقد وفر القتال في سوريا الغطاء لانتقال كميات كبيرة من الأسلحة إلى حزب الله في لبنان، بشكل دفع إسرائيل إلى إبقاء جيشها في حالة عالية من التأهب والجهوزية على طول حدودها وإرسال طائرات مقاتلة لضرب القوافل المزعومة التي تحمل صواريخ أرض/ جو وصواريخ أرض / أرض من سوريا إلى حزب الله. وهنالك الآلاف من رجال الحرس الثوري الإيراني ينتشرون في سوريا لمساعدة قوات النظام في قتالهم ضد الثوار، الأمر الذي يسمح لطهران بأن يكون لها تأثيراً أكبر على دمشق. هذا الواقع يضع إيران في موقف أقوى بكثير للرد على إسرائيل إذا ما قررت تلك الأخيرة أكثر من أي وقت المضي في ضرب منشآت طهران النووية. وهنالك تقارير تقول بأن الحرس الثوري الإيراني وحزب الله قد قاما بزيادة وتكثيف عملياتهم الدولية ضد الأهداف الإسرائيلية في الخارج الأمر الذي دفع الإتحاد الأوروبي إلى وضع الجناح العسكري لحزب الله على لائحة المجموعات الإرهابية. هذا، وتعد تركيا من القوى الإقليمية الأخرى التي أصبحت أكثر صراحة في توجيه انتقاداتها اللاذعة للأعمال التي تقوم بها طهران في العراق وسوريا. علماً أن أنقره تقوم بتوفير دعم قوي للثوار السوريين.

لذا، فإن محاولة الرئيس أوباما تحسين العلاقات مع إيران لن تكون سهلة على الإطلاق، ليس فقط في الولايات المتحدة حيث يلقى أوباما معارضة قوية من قبل الكونغرس، بل من قبل حلفائه في الخارج أيضاً، خصوصاً في منطقة الشرق الأوسط. فبينما يقوم بتحقيق تقدم على الجبهة النووية مع إيران، يجب على أوباما أن يتأكد من أنه يحرز تقدماً في إيجاد حلّ للحرب الدائرة في سوريا لتخفيف التوتر الطائفي، كما عليه أيضاً أن يقوم بالمحافظة على ثقة حلفائه الإقليميين، بالإضافة إلى طمأنتهم بأن أمنهم ومصالحهم لن تكون في خطر مهما كانت نتيجة الاتفاق التي سوف يتوصل إليه مع طهران.

هذا وتعتبر التحركات الأحادية الجانب التي يقوم بها حلفاء أميركا في المنطقة، على غرار قيام تركيا مؤخراً باتخاذ قرارها لصد واشنطن، ومشاركة الصين في مشروع تطوير نظام دفاعها الجوي بالصواريخ البالستية، ناهيك عن قرار دول الخليج العربي دعم عملية قلب نظام الإخوان المسلمين والرئيس المصري محمد مرسي المدعوم من قبل الولايات المتحدة، علامات دامغة عن الاستياء المتزايد من السياسة الخارجية الأميركية في المنطقة. فقد وصلت مصداقية الولايات المتحدة الأميركية في الشرق الأوسط إلى أدنى مستوى لها من أي وقت مضى.

وتعتبر الإجراءات التي قام بها الرئيس أوباما لتحقيق مكالمته الهاتفية التاريخية مع الرئيس الإيراني حسن روحاني، واللقاء ما بين وزير الخارجية الأميركية جون كيري ونظيره الإيراني جواد ظريف في الأمم المتحدة، من الخطوات الحساسة جداً. فأمام روحاني نفسه الكثير من التحديات التي ينبغي أن يتغلب عليها محلياً في التعامل مع المتشددين في النظام الإيراني. وبالرغم من أن كلاً من الرئيسين أوباما وروحاني يستحق الإشادة لقيامه بهذه الخطوة الجريئة في كسر الجليد ما بين دوليتهما، والقائم منذ 34 عاماً والبحث عن حل دبلوماسي، فلا بد أنهما يدركان حجم المهمة التي تواجههما ويعلمان بأنها أكثر بكثير من مسألة الوصول إلى حل للبرنامج النووي. فصفقة بسيطة تقضي بتحديد درجة التخصيب وزيادة عمليات التفتيش لن تؤدي الى حل المشكلة، ولا حتى القيام بفتح سوق على غرار ما تريده إيران ترتكز على عمليات مقايضة لملف مقابل آخر. فالمشهد الإقليمي والدولي قد أصبحا أكثر تعقيداً.

فصعوبة إعادة العلاقات ما بين إيران والولايات المتحدة تعتبر بمثابة المشي على الحبل المعلق في الهواء. فهي لا تعتمد على تراث وسمعة روحاني وأوباما، ولا تعود إلى جدول الأعمال الشخصي لكل منهما؛ فهنالك تطورات إقليمية قد بدأت تظهر بسرعة في المرحلة الحالية من شأنها أن تقوم بتشكيل شرق أوسط جديد وأن تشهد انبثاق نظام عالمي جديد أيضاً. وبناءً على ذلك فإن الأخطار عالية جداً وليس هناك حدود بالنسبة للاعبين الإقليميين والدوليين الذين سوف يقاتلون بشراسة للبقاء على قيد الحياة وللمحافظة على مكانتهم العالمية.

* المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينجما)

شارك الخبر: