SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

اختبار متانة حلف الغرب ودول مجلس التعاون الخليجي في سوريا مع إثبات قوّة الحلف السوري- الإيراني

رياض قهوجي*
لقد تعلم الثوار السوريون على غرار حلفائهم العرب الآخرين وبشكل قاس كيفية أن يكونوا حلفاء للديمقراطيات الغربية، خصوصاً عندما يكون خصمهم دكتاتور مستبد متحالف مع أنظمة استبدادية. فليس من المفيد دائماً أن يكون الإنسان حليفاً لدول ديمقراطية مثل الولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة عندما يقاتل النظام السوري الذي لديه حلفاء مخلصين له وكرماء جداً، يقومون بدعمه كلياً لإبقائه في الحكم بشكل يتعدى البلاغة الكلامية. فطهران وحليفها اللبناني حزب الله قد قاموا بتزويد النظام السوري بالسلاح والمستشارين، وبالأموال والمقاتلين لكي يتمكّن هذا النظام من سحق هذه الثورة الشعبية بحيث تحولت إلى حرب أهلية.

فقد عمل رئيس الوزراء البريطاني دافيد كاميرون كل ما بوسعه لدعم تعهداته، وقام بتوجيه انتقادات قاسية لنظام الأسد ومارس الضغوط لرفع الحظر الذي أقامه الإتحاد الأوروبي لتزويد الثوار بالسلاح. ولكن فور رفع الحظر المذكور، اكتشف كاميرون بسرعة أنه لا يحظى بدعم البرلمان الإنكليزي والعسكريين البريطانيين لمتابعة هذا المسعى. وبدلاً من إنهاء النقاش عند هذا الحد، استكمل كاميرون ومساعدوه حديثهم ليعلنوا للثوار السوريين أنهم يقاتلون من أجل قضية خاسرة وأن بشار الأسد سوف يجتاز هذه المحنة ويبقى في سدة الحكم.

أما الفرنسيين فقد كانوا أكثر سرية واختاروا أن يتوقفوا عن الكلام في هذا الشأن بدلاً من أن يدلوا بتصاريح من شأنها أن تهدم معنويات الثوار السوريين. فبعد لقاءات واجتماعات مطولة مع المعارضة السورية وقادة الثوار بتاريخ 24 تموز/ يوليو، أكّدت باريس أنّها ستوفّر المساعدات الإنسانية والدعم السياسي للثورة السورية دون أن تقوم بذكر أي شيء يتعلق بالمساعدات العسكرية.

وخلال هذا الوقت يواصل الرئيس الأميركي باراك أوباما دراسة مجموعة من الخيارات قدمتها له قواته العسكرية لما يمكن القيام به في سوريا، بينما لا يزال كل من الكونغرس والوكالات الأميركية المختلفة الأخرى يقومون بمناقشة أية أفكار مقترحة لتقديم المساعدات العسكرية، وإخضاعها للكثير من المراجعات والتوازنات. بدون أيّ استعجال، تقدّر الأمم المتحدة الآن بأن هنالك 5 آلاف شخص يقتلون كل شهر في سوريا، وأن عدد الضحايا قد وصل إلى 100 ألف قتيل هناك منذ بداية الحركة الثورية في شهر آذار/ مارس من العام 2011.

وقد نقل عن رئيس أركان القوات الرئيسية للجيش السوري الحر اللواء سليم إدريس قوله، في 25 تموز/ يوليو الحالي، بأنه قد فقد الأمل من الحصول على أية مساعدات عسكرية من الغرب. ولاحظ أن كافة الضمانات والتعهدات التي قدمها الجيش السوري الحر والتي تضمن عدم وصول أي أسلحة إلى أيدي المجموعات المتطرفة لم تكن كافية أو جيدة بما فيه الكفاية بالنسبة للغرب.

وإذا عدنا خطوة إلى الوراء للحصول على تقييم وتحديد أوسع للصورة، فإنّنا سوف لن نتفاجأ بأن العديد من العرب، حتى من بين المسؤولين رفيعي المستوى، يؤمنون بأن هنالك ثمة نظرية تتكلم عن مخطط كبير وضعه كل من الغرب وإسرائيل وروسيا وإيران لتدمير العالم العربي، يتم تنفيذه.

أما القصص التي تدور في المقاهي في العديد من الدول العربية فتتمحور حول النقاط الرئيسية التالية : فهناك أولاً الاجتياح الأميركي للعراق الذي أعقبه الاستيلاء السياسي الإيراني على بغداد، وبعد ذلك مصر وثورتيها المتعاقبتين اللتين أحدثتا شرخاً كبيراً في المجتمع المصري، والآن سوريا مع وعود الغرب بالدعم وإغواء الثوار لكي يؤمنوا بأن الدعم أصبح في طريقه إليهم على غرار ما حدث في ليبيا، ومواصلة ترديد التفاهات المبتذلة بينما يقوم الإيرانيون فعلياً بتزويد النظام في دمشق بكل ما يحتاج إليه.

لا تزال هذه الأحداث قائمة، بينما تواصل بعثات من الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي زياراتها إلى المنطقة ويتعجّب الموفدون لماذا لا تبدي الحكومات العربية المستوى نفسه من الثقة بالغرب كما كانت تفعل في السابق وهم يتعجبون أيضاً لماذا يخسرون الصفقات التجارية والأعمال أمام القوى الصاعدة في الشرق.

تعيد جميع الأحداث المذكورة أعلاه تأكيد إيمان العديد من المسؤولين في الخليج العربي بأنهم قد اتخذوا القرار الصائب عندما قاموا بالتدخل في البحرين، وإلا لكانت هذه الأخيرة قد أصبحت تحت سيطرة طهران” بحسب قول أحد هؤلاء المسؤولين. فقد قام مجلس التعاون الخليجي بالاعتماد على معاهدة الدفاع الموقعة بين تلك الدول، وأرسل قواته إلى المنامة لقمع أعمال شغب للجماهير المحتشدة هناك.

يشار إلى أنّ مجلس التعاون الخليجي يعتقد أنّ عملاء إيرانيين خلقوا حالة الاضطراب في البحرين لزعزعة الاستقرار وتقويض النظام الملكي الحاكم. وكانت واشنطن قد اعترضت في البداية على هذا التدخل ولكنها عادت سريعاً وقامت بخفض نبرة خطابها.

هذا وقد أعلنت دول مجلس التعاون الخليجي دعمها الكامل للثورة السورية وهنالك بعض دول الخليج تقوم بتزويد الثوار بالمال والعتاد. وما من شكّ أن دعم مجلس التعاون الخليجي هو الذي يساعد الثوار على البقاء في القتال وليس الوعود الفارغة التي يطلقها كل من الأوروبيين وواشنطن.

والآن يتحدّث الغرب عن التهديد الذي تشكّله “القاعدة” ومجموعات من الأصوليين تسللوا بين الثوار السوريين ويحذر من وقوع الأسلحة في الأيدي الخطأ، ولكنهم يتناسون أن غياب المساعدات العسكرية الحقيقية ممّن يعتقد بأنهم حلفاء للثوار هو الذي يتسبب بخلق فراغ في الدعم الذي قامت المجموعات المتطرفة أكثر من مسرورة بملئه في سوريا.

أمّا الآن وبدلاً من تقديم مساعدات عسكرية حقيقية لتشجيع الثوار على طرد المجموعات الأصولية، يقولون لهم إنّه لن يتم إرسال أي أسلحة، ويدعونهم إلى طرد الذين ساعدوهم في البداية كما يؤكّدون لهم أنّ لا فرصة لديهم للتغلّب على النظام السوري. ويؤكد ردّ الفعل هذا أنّ الغرب لا يمتلك إستراتيجية موحدة حيال سوريا بينما هذه الإستراتيجية متوفرة لدى إيران وحلفائه، الذين يقومون بتزويد النظام السوري بالدعم العسكري والمادي غير المحدود، لجعله قادراً على اتخاذ موقعاً قوياً في أي مباحثات سلام يتم إجراؤها في جينيف في أي وقت، والتفاوض على الشروط التي تبقيه على قيد الحياة.

على كلٍ، فإن بعض المسؤولين الغربيين يتحدثون خلف الأبواب المغلقة، عن أنّ عدم اتخاذ الغرب أي إجراء قد يكون جزءاً من إستراتيجية، ولكن إستراتيجية لتحقيق ماذا؟ فالنتيجة الوحيدة لمثل هذه الإستراتيجية هي الفوضى العارمة في المنطقة مع التدمير الكامل لسوريا وحرب سنية/ شيعية ترسّخ جذور القاعدة في سوريا.

إنّ أحد العوامل الرئيسية التي يتوجب على الغرب الاعتراف بها هو أنّ لدى العالم العربي وخصوصاً دول مجلس التعاون الخليجي رهانات كبيرة على الثوار وأن المساعدات العسكرية المبذولة سوف تتواصل.

وينظر العديد من المسؤولين من دول مجلس التعاون الى أنّ الدعوة الغربية إلى عدم التدخل في سوريا مماثلة لتلك التي حصلت في البحرين: أي أنها مريبة وتآمرية بإمتياز. فهم لا يستطيعون أن يفهموا كيف يدعي الغرب بأنه حليف ويبقى مكتوف الأيدي إزاء ما تقوم به إيران وحزب الله في سوريا.

ومهما كانت الإستراتيجية التي يتبعها الغرب في سوريا فإنّها لا تتناغم مع سياسة حلفائها العرب وتطلعاتهم، إذ إنّ تحركات الغرب الحالية أو عدم قيامه بأي تحرك في سوريا ستؤثر على علاقات واشنطن مع حلفائها العرب.

وقد قال أحد المسؤولين الرسميين في مجلس التعاون الخليجي خلال الأزمتين الليبية والبحرينية : “إما أن نكون (الولايات المتحدة الأميركية والإتحاد الأوروبي ودول مجلس التعاون الخليجي) حلفاء في كل شيء أو لا نكون حلفاء أبداً”، فالمحور السوري/ الإيراني- حزب الله يظهر بأنه صلب وثابت، فهل سيبرهن التزام الغرب بحلفائهم العرب هذا المستوى من الصلابة؟”.

يأمل الكثيرون أن تتمكن الخطوات التي اتخذتها حديثاً القيادة العسكرية الأميركية من حث واشنطن على جمع الجهود الغربية اللازمة في الوقت المناسب من أجل تقديم مستوى الدعم نفسه لحلفائها العرب، عبر مساعدة الثوار في سوريا، فالوقت فيها ما عاد اليوم من ذهب، بل من دم.

* المدير التنفيذي لمؤسسة الشرق الأدنى والخليج للتحليل العسكري (إينجما)

شارك الخبر: