SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

مكاسب روسيا وإيران من حرب غزة وتداعيات توسّعها على الحليفين

كتب رياض قهوجي في النهار العربي

تُظهر التطورات على الساحة الأوكرانية أن روسيا هي من أكبر المستفيدين من حرب غزة، وستستفيد أكثر إذا ما طالت أو توسعت الحرب أكثر، لأنها ستزيد من حجم تحديات أميركا في المنطقة وتعقد عملية مد كييف بالأسلحة التي تريدها لوقف الهجوم الروسي على أراضيها.

لقد اضطرت أميركا إلى تحويل جزء مهم من مخزونها العسكري من الذخائر إلى إسرائيل لسد حاجات الأخيرة. قبل الحرب كانت أوكرانيا المستفيد الوحيد من هذا المخزون، أما اليوم، فالأولوية هي لإسرائيل. هذا في وقت لا يزال الكونغرس الأميركي يرفض تمرير حزمة مساعدات عسكرية للعام المقبل لمصلحة أوكرانيا بسبب تحفظ بعض أعضاء مجلس الشيوخ من الجمهوريين على الدعم العسكري والاقتصادي اللامحدود لأوكرانيا والذي بلغ حتى الآن 75 مليار دولار.

وتصرف واشنطن هذا الشهر آخر مليار دولار من ميزانية هذا العام المخصصة لدعم أوكرانيا من دون وجود أي أموال إضافية للعام المقبل حتى الآن، في انتظار حل الخلاف مع الكونغرس. وقد عمد البيت الأبيض إلى ربط حزمة المساعدات المخصصة لإسرائيل بتلك المعدّة لأوكرانيا وتصل إلى أكثر من 60 مليار دولار بهدف الضغط على الجمهوريين لتمرير مشروع القانون. لكن لا يبدو أن هذا سيحصل قبل نهاية العام، خاصة مع اشتراط بعض أعضاء الكونغرس الجمهوريين تضمين المشروع أموالاً لمواجهة أزمة اللاجئين على الحدود الأميركية مع المكسيك. هذا الصراع وحرب غزة باتا يخدمان مصالح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في أوكرانيا، حيث بادرت قواته في عمليات هجوم واسعة على الجبهات كافة وتستعيد في بعضها ما كانت خسرته في الهجمات الأوكرانية في الأشهر السابقة.

كما أعادت حرب غزة رفع أسعار الطاقة عالمياً، وهو يصب أيضاً في مصلحة روسيا التي تحاول استخدام الأموال من بيع نفطها وغازها لتمويل الحرب. ومواقف موسكو الداعمة للفلسطينيين ووقف إطلاق النار في غزة في المحافل الدولية، خاصة في مجلس الأمن في الأمم المتحدة، ساعدت في تبييض صورة موسكو في بعض أوساط الرأي العام العربي، خاصة بعد التراجع الذي شهدته نتيجة هجماتها الشرسة على المدن والبلدات السورية لمساعدة النظام السوري على البقاء في السلطة واستعادة السيطرة على جزء كبير من الأراضي من المعارضة. فكلما تستخدم الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” ضد قرارات وقف الحرب في غزة تتحسن صورة روسيا بالرغم من أنها تستفيد جيوسياسياً وعسكرياً منها أكثر من واشنطن.

تحالف موسكو مع طهران بات يخدم الطرفين خدمةً أفضل مع الحرب التي تشنها إسرائيل، لأنها تستنزف قدرات عدوهما المشترك – أميركا. وبالنسبة لطهران، فهي أظهرت حجم التأثير الذي تمتلكه في أمن المنطقة وقدرتها على تهديد دول العالم وابتزازها، وليس دول المنطقة فقط. فما تقوم به الميليشيات الحوثية في باب المندب والبحر الأحمر يهدد الملاحة الدولية، وبالتالي الأمن الدولي، كما أن مهاجمة الميليشيات في العراق وسوريا للمواقع الأميركية قد يؤدي لإعادة طرح موضوع الوجود العسكري الأميركي فيهما داخل الرأي العام الأميركي والكونغرس، وذلك قبل عام من الانتخابات الأميركية. وإنهاء الوجود العسكري الأميركي في العراق وسوريا هو هدف إيراني – روسي مشترك.

أما الجبهة اللبنانية، فهي مهمة جداً لطهران التي وبحسب معظم المراقبين لا تريد التفريط في “حزب الله”، حليفها الاستراتيجي الأهم في المنطقة. فهي تحاول استخدام هذه الجبهة ضمن قواعد اشتباك مضبوطة كمحاولة لإنقاذ حليف آخر مهم، أي “حماس”.

فتح الجبهة اللبنانية سيخدم روسيا لأنه سيمدد عملية استنزاف أميركا التي ستستمر بتوفير الدعم العسكري لإسرائيل. لكنه قد لا يكون من مصلحة إيران، خاصة إذا ما تمكنت إسرائيل من تدمير البنية التحتية العسكرية لـ”حماس” في غزة. فهذا الأمر سينهي الجبهة الجنوبية لإسرائيل ويبقي فقط على الجبهة الشمالية. وإذا دخلت إسرائيل في حرب مكنتها من احتواء التهديد على حدودها الشمالية، فإن هذا يعني أن إيران قد فقدت قوتها العسكرية المتقدمة والمتمركزة على حدود إسرائيل المباشرة، وقد تصبح هي الهدف التالي لإسرائيل وأميركا.

أهم ما تستفيد منه طهران اليوم من حرب غزة هو تهميش موضوع ملفها النووي والذي كان يتصدر اهتمامات واشنطن وبعض القوى الغربية وإسرائيل. فهذه الحرب تشتري وقتاً مهماً لإيران لتخصيب المزيد من اليورانيوم على مستويات عالية، ما يزيد من قدرتها على بناء أسلحة نووية في المستقبل الذي لم يعد ببعيد، كما أنها تكمل صفقات أسلحة مهمة مع روسيا ستحصل بموجبها على مقاتلات حديثة من طراز سوخوي-35 وطائرات هليكوبتر هجومية، إضافة إلى تكنولوجيا تجعل صواريخها البالستية والجوالة أكثر سرعة ودقة. وفي المقابل، تحصل موسكو من طهران على مسيّرات “شاهد” الانتحارية والتي تستخدم بفعالية في الحرب ضد أوكرانيا. ويعتقد بعض المراقبين الغربيين أن الدعم العسكري خاصة بالذخائر والمسيّرات الذي وفرته طهران قد ساعد القوات الروسية كثيراً في حرب أوكرانيا.

ويستمر وزير الخارجية الإيراني في رحلاته المكوكية في دول الشرق الأوسط ولقاءاته مع مسؤولين أوروبيين، مستمعاً إلى عروض وصفتها بعض وسائل الإعلام بـ”السخية” مقابل عدم استخدام وكلائه في المنطقة لتوسيع حرب غزة. لكن التجارب السابقة أثبتت أن طهران لا تبحث في مكاسب تكتيكية بل مكاسب استراتيجية، متوسطة إلى طويلة الأمد. فهي تبحث عن حلول لإنهاء الوجود العسكري الأميركي في المنطقة، ولتكرس نفسها قوة إقليمية ذات وزن كبير على الساحة الدولية. وتريد تجنب الحرب مع القوى العظمى، وإبقاء جيرانها أضعف منها. كما تريد أن يكون لها تأثير مهم في ملفات المنطقة الأساسية، خاصة القضية الفلسطينية.

وبناءً عليه، ستسعى إيران للحفاظ على وجود “حزب الله” على الحدود الإسرائيلية، وربما لن تمانع سحب عناصره عن الحدود لمسافة عشرة كيلومترات كما تطالب تل أبيب بحسب بعض المصادر الأميركية. فمدى أسلحة “حزب الله” أبعد بكثير، ويصل معظمها لأكثر من عشرة كيلومترات. كما أن كثيراً من عناصره هم من سكان القرى الجنوبية، وبالتالي سيبقى للحزب وجود بصفة مدنية توفر له بعض القدرات الاستخبارتية.

لكن كيف سيكون سيناريو تغيير الواقع الحالي في جنوب لبنان؟ هل سيقبل الحزب المطالب التي يتم إيصالها للبنان عبر موفدين دوليين ويعيد انتشار قواته من دون حرب؟ أم أن الحرب المحدودة ستكون الوسيلة إلى ذلك؟ السؤال الأهم بالنسبة للحزب وطهران هو: هل ستكتفي إسرائيل بدفع “حزب الله” إلى مسافة عشرة كيلومترات فقط أم أنها ستدفع لحرب أكبر تنتج مكاسب أكثر لها؟ خاصة مع وجود جنرالات إسرائيليين يدعون لإنهاء تهديد “حزب الله” قبل أن يصبح أكثر خطراً على الدولة العبرية.

أما المحور الأكبر الذي يجمع روسيا وإيران في المنطقة، فهو سوريا. تسعى إسرائيل للمحافظة على التفاهم الذي توصلت إليه مع روسيا بشأن عملياتها العسكرية هناك، والتي تستهدف الميليشيات الإيرانية، ويبدو أنها مستمرة في توجيه ضربات مؤلمة لمحور الممانعة. بالنسبة لموسكو، إضعاف إيران عسكرياً في سوريا يخدم مصالحها البعيدة المدى، حيث لا تريد أن تنازعها أي جهة على نفوذها ومصالحها في هذا البلد.

وتشهد الساحة السورية صراعاً واضحاً بين قوات النظام المقربة من روسيا وتلك التابعة لإيران. وفيما ستجد روسيا نفسها رابحة بغض النظر عن كيف ستنتهي أو تتوسع حرب غزة، فإن إيران ستخسر ورقة مهمة إذا تمكنت إسرائيل من تدمير “حماس” عسكرياً في غزة. وتوسع الحرب شمالاً قد لا يكون لمصلحة طهران.

شارك الخبر: