SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

التدخل العسكري الروسي في سوريا يتخطى إنشاء إقليم علوي لأهداف أكبر. فهل تسلح المعارضة بصواريخ سام؟

ByRiad Kahwaji

فبراير 9, 2016 #رياض قهوجي

 رياض قهوجي*

كشفت التطورات في سوريا خلال الأشهر القليلة الماضية تدريجياً أن نوايا موسكو لا تقتصر على إنقاذ النظام السوري فحسب، بل تهدف[*] إلى تحقيق نصر حاسم بالكامل من شأنه أن يتجاوز عملية تأمين دويلة علوية، كما تكهنت مجموعة واسعة من المراقبين والمسؤولين الغربيين. فهل أن الدول المؤيدة لجماعات المعارضة السورية على استعداد للتراجع، أم أنها على استعداد لتوفير قدرات الدفاع الجوي اللازمة والكافية للمقاتلين؟ 

وفي حين كانت الفصائل المتحاربة مجتمعة في جنيف في إطار انعقاد مؤتمر للسلام بوساطة الأمم المتحدة، كانت الطائرات الحربية الروسية توفر غطاءاً جوياً مكثفاً لقوات النظام السوري المدعوم من الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الشيعية الأخرى، متقدمة على مواقع المعارضة في الشمال والجنوب وأجزاء أخرى في البلاد – ولكن حول العاصمة بالأخص.

منذ بدء التدخل الروسي في سوريا أواخر أيلول/ سبتمبر 2015 تحت ذريعة محاربة “الإرهاب”، قام مسؤولون غربيون بانتقاد ذلك التدخل، متّهمين موسكو بامتلاكها لأجندة مخفية تتخطى عملية محاربة تنظيم الدولة الإسلامية في سوريا والعراق (ISIS).

من جهته، تساءل وزير الخارجية البريطاني فيليب هاموند بعد اجتماع روما في بداية الشهر الجاري ما إذا كانت موسكو “ملتزمة حقاً بتنفيذ عملية سلام أو باستخدام تلك العملية كورقة لإخفاء أمر ما بهدف تحقيق نوع من الانتصار العسكري للرئيس السوري بشار الأسد، الأمر الذي يسمح بإنشاء دويلة علوية في شمال غرب سوريا”.

بدوره، أكد رئيس الوزراء التركي أحمد داود أوغلو مجدداً في كانون الأول/ديسمبر 2015 ما يعتقده بعض المسؤولين الأتراك والغربيين أن الهجوم الذي تقوده روسيا يساعد النظام السوري على التطهير العرقي والطائفي في أجزاء من شمال وغرب سوريا بهدف إقامة كانتون علوي في محافظتي اللاذقية وطرطوس ومحيطهما.

إلا أن التقدّم في العمليات العسكرية على الأرض يشير إلى أن المحور الروسي – الإيراني يهدف إلى الاستيلاء على حصة أكبر مما كان متوقّعاً.

وفي حين يتم تجنب الأراضي الشاسعة التي يشغلها حالياً عناصر من تنظيم داعش في سوريا، ركز الهجوم الروسي على معاقل المعارضة في حلب وإدلب في الشمال، حماة وحمص في الوسط، درعا في الجنوب، وضواحي العاصمة دمشق.

ويعتقد معظم المسؤولين العسكريين في الغرب أنه بالكاد 10% من الغارات الجوية الروسية استهدفت مواقع لتنظيم داعش في سوريا، ما يعني أن الهدف الروسي الفعلي هو جماعات المعارضة السورية. بالتالي ساعد التدخل الروسي في إمالة ميزان القوى في سوريا لصالح النظام بعد أن خسرت قواته في وقت سابق السيطرة على أكثر من 75 في المئة من البلاد.

تراقب دول الخليج العربية الداعمة للمعارضة السورية عن كثب التطورات على الساحة السورية بقدر كبير من القلق، لا سيما في ظل اللامبالاة الواضحة أو العجز الظاهر من قبل الولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين الآخرين. ولا تقنع الإدانات التي أدلى بها مسؤولون أميركيون وغربيون حول التدخل الروسي والإيراني في سوريا، العديد من المسؤولين العرب الذين يعتقدون اليوم أن إدارة أوباما الحالية تريد بقاء نظام الأسد، وأنها ستتجنب القيام بأي عمل من شأنه أن يقوض الاتفاق النووي الموقع سابقاً مع إيران.

فإن مراجعة موقف الرئيس أوباما على مدى السنوات الأربع الماضية من الحرب الأهلية السورية يظهر بوضوح أن معارضة واشنطن لنظام الأسد كانت واهية وظلّت تتعثر على الرغم من الخطابات الصارمة. وقد تراجع أوباما عن العديد من خطوطه الحمراء المزعومة عن نظام الأسد، كاستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعبه، العملية التي تم توثيقها بشكل جيّد. فبدلاً من الرد العسكري لمعاقبة أولئك الذين استخدموا الأسلحة الكيميائية، توصلت واشنطن لاتفاق مع موسكو لتجريد النظام السوري من ترسانة أسلحته الكيميائية.

إن ظهور ما يسمى بالدولة الإسلامية في سوريا والعراق – داعش – ألهم الإرهابيون بالقيام بهجمات إرهابية في أوروبا وحتى في الولايات المتحدة، وإن الفشل في رؤية معارضة سورية موحّدة وتحسين العلاقات مع إيران، أدى بواشنطن إلى مراجعة سياستها تجاه نظام الأسد. وإن التنازل لموسكو، التي تطالب ببقاء النظام في السلطة، يقوم على أمل أنها سوف تمنع انتشار الجماعات المتطرفة.

ولكن، لا تستطيع واشنطن أن تغير سياستها في سوريا على هذا النحو،  اذ لا يمكن لإدارة أوباما، التي دعت إلى إسقاط الأسد من بدء الثورة السورية وساعدت في تسليح المعارضة، أن تبدّل موقفها أو تغضب حلفاءها في الخليج العربي. لكن، اذا ما تدخلت روسيا عسكرياً واحتلت دوراً رئيساً في الحرب الأهلية السورية، ستمنح واشنطن فرصة لإلقاء اللوم على روسيا بدلاً منها. وهذا هو بالضبط ما يبدو أنه يحدث اليوم.

لقد شن المحور الروسي- الإيراني دون توقّف حملة عسكرية على كافة مراكز المعارضة السورية من دون أي رد فعل ملموس وفعلي من قبل واشنطن والغرب. حتى أن محادثات جنيف تبدو خطوة لإعطاء العمليات العسكرية الروسية مزيداً من الوقت وللترويج لنظام الأسد دولياً.

لقد نقلت وسائل إعلام الخليج العربي عن مسؤولين في المعارضة السورية اتهامهم وزير خارجية الولايات المتحدة، جون كيري، بالضغط على قادة المعارضة للموافقة على الأجندة الروسية-الإيرانية المقترحة حول محادثات السلام، الأمر الذي يؤكّد استمرار نظام الأسد، ليس على مرحلة انتقالية فحسب، بل أكثر من ذلك.

وتدل الوقائع والأحداث على الأرض صحة تلك التقارير، رغم نفي وزارة الخارجية الأميركية لها.

وعلى الرغم من الإجتماعات المنتظمة بين كيري ونظيره الروسي، سيرغي لافروف، خلال الأشهر الستة الماضية، كانت موسكو تحقق أهدافها في سوريا بينما استمرت الولايات المتحدة وحلفاؤها بخسارتهم على الأرض. لذلك، إما أن تكون الدبلوماسية الأميركية تؤيد مشروع روسيا في سوريا أو أنها أُخذت بخدعة كبيرة من قبل الروس. وفي الحالتين، لا يبدو وضع واشنطن جيداً.

إن الأجزاء السورية الوحيدة التي تبدي الولايات المتحدة اهتماماً بحمايتها هي المقاطعات الكردية في الشمال الشرقي، الأمر الذي يدفع العرب وقادة المنطقة للتساؤل حول الأهداف الحقيقية لأجندة واشنطن في سوريا. وفي الحقيقة، قد لا تكون واشنطن على علم بأجندة روسيا وإيران في سوريا الكاملة وإذا ما كانوا على الموجة نفسها.

وإذا كانت إدارة الرئيس أوباما مستعدة لتحمّل تدخلاً روسياً محدوداً لحماية مصالح موسكو ومساعدة نظام الأسد على الإستمرار في دولة مصغّرة، كيف ستكون تلك الإدارة واثقة من أن الروس سيلتزمون بالخطة ولا يطمعون بالمزيد في حين لا يريد أحد، أو بالأحرى لا يستطيع أحد ردعهم؟

تتمتع روسيا اليوم بوجود عسكري كبير وقواعد جوية عدة، بالإضافة إلى قاعدة بحرية ضخمة، كما أنها نشرت أنظمة أس-400 للدفاع الجوي المتطورة في سوريا، التي تغطي أجزاء كبيرة من الدول المجاورة مثل عضو حلف شمال الأطلسي تركيا، إسرائيل، الأردن والعراق.

وبحسب مسؤول عسكري أردني لم يرد أن يذكر اسمه، “إن مقاتلات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة تعاني من صعوبات في التحليق حول رادارات الدفاع الجوي الروسية، وبالتالي قلّصت مهامها في سوريا”.

وإذا كانت روسيا موجودة في سوريا لحماية مصالحها من خلال تأكيد استمرار النظام، يبقى السؤال حول ماهية مصالح إيران في سوريا التي تسعى للحفاظ على سوريا كجزء أساسي من دائرة السيطرة الإيرانية، والذي تشمل العراق وسوريا ولبنان حيث حزب الله هو القوة المسيطرة.

في حين يعتقد بعض المراقبين الغربيين والإسرائيليين أن مصالح روسيا ستتضارب مع مصالح إيران وأن كلمة الفصل ستكون لموسكو في النهاية، يظهر الواقع على الأرض أن الحرس الثوري الإيراني والميليشيات الحليفة له يملكون حضوراً وتأثيراً كبيرين في سوريا، الأمر الذي سيجعل روسيا تواجه صعوبة في تحقيق السيطرة عليه.

وحتى إن أرادت موسكو دويلة علوية، يبدو أن طهران تريد الدولة كلها أو معظمها – وهذا ما يفسّر التطهير الطائفي في سوريا الذي شرّد الملايين وخاصة المسلمين السنّة، الذين يشكّلون أكثرية سكان الوطن.

هناك أسئلة يبدو أن الغربيين لا يجاهرون بها وهي: إلى أى مدى سيستمر الهجوم الإيراني- الروسي؟ لماذا يتوجّب على موسكو القبول بدويلة علوية مصغّرة في اللاذقية، وطرطوس، بينما قوات محورها يمكنها الحصول على معظم (إن لم نقل كل) سوريا؟ لماذا على الروس والإيرانيين أن يلبوا مطالب الغرب والعرب إذا كان هؤلاء الآخرون لا يملكون الإرادة والقدرة لتوقيفهم؟ ماذا سيحصل لتسعة مليون لاجىء سوري منتشرين في الدول المجاورة وفي أوروبا؟ كيف سيتفاعل العرب والمجتمع السني الأوسع إذا حقق المحور الإيراني- الروسي أهدافه في سوريا؟ ماذا بالنسبة لتنظيم الدولة الإسلامية، التي يرتبط تصاعدها بنظام الأسد والقاعدة؟

وفي حال أصر الروس على الحل العسكري للحرب الأهلية السورية، عندها لا يمتلك الغرب ودول الخليج العربي خياراً سوى تزويد مقاتلي المعارضة المعتدلة بصواريخ أرض- جو المحمولة التي يمكن أن تقلل إلى حد كبير من تأثير سلاح الجو الروسي وتعيد توازن القوة على الأرض لتعزيز آفاق عملية السلام. أما الفشل في هذه المهمّة سيؤدي إلى انهزام كلي لقوات المعارضة خلال بضعة أشهر.

وبحسب عدّة مصادر أمنية في المنطقة، إن واشنطن هي المعارض الأساسي لتزويد قوات المعارضة السورية بصواريخ أرض- جو. فهل تتجاهلها دول المنطقة وتتصرّف وحدها لإنقاذ المعارضة السورية؟ يبقى ذلك المنفذ الأخير.

يراهن عدد قليل من المراقبين المحليين في المنطقة على أي دعم من الولايات المتحدة لمساعدة المعارضة السورية حيث أنه يبدو أن إدارة أوباما مهتمة أكثر بالحفاظ على اتفاقها النووي مع إيران، الذي تعتبره الإرث الأكبر لوجودها في الحكم لدورتين. أما الأمل فيبقى في أن تكون إدارة البيت الأبيض التالية أكثر وضوحاً وتملك استراتيجية أكثر نجاحاً ضد الإرهاب المتصاعد وتهديد تنظيم الدولة الإسلامية، وهو ما أشعلته اليوم الهجمات الروسية- الإيرانية في سوريا – هذا ما اذا استطاعت المعارضة السورية الصمود إلى حينه.


*الرئيس التنفيذي – إينغما

شارك الخبر: