نشرت مجلة “إيكونوميست” الأسبوعية البريطانية، تقريرا مفصلا عن مساعي تركيا للحصول على أسلحة بحرية نوعية، على رأسها غواصات قتالية ألمانية متقدمة، مشيرة إلى أن اليونان تحاول جاهدة منع هذه الصفقة، خوفا من استغلال تركيا لها لفرض سيطرتها والحصول على موارد شرق المتوسط.
وأشارت المجلة إلى إقدام تركيا على شراء 6 غواصات بحرية قتالية ألمانية الصنع، من طراز “Reis Class” الحديث، التي ستسمح بتفوق عسكري تركي في منطقة شرق المتوسط، في حال حصلت على هذه الغواصات فعليا، لأنها حصلت على واحدة منها فحسب، حتى الآن.
ونقلت المجلة عن مسؤولين ومصادر يونانية لم تكشف عن هويتها، سعيها وطلبها من الجانب الألماني عدم تسليم تلك الغواصات إلى تركيا، لأنها قد تؤثر على التوازن الأمني والعسكري بين الدولتين “المتصارعتين”، وهو الأمر الذي تنفيه السلطات اليونانية علانية، مؤكدة عدم التدخل في العلاقات بين أي دولتين.
وأضاف المصدر أن اليونان استخدمت طيف علاقاتها الأوربية والدولية من أجل مساندتها في الضغط على ألمانيا لعدم القيام بذلك.
المعلومات المتوفرة حول هذه الغواصات “Reis Class” التي يرتقب تسليمها إلى تركيا، تقول إنها قادرة على إطلاق “طوربيدات” بحرية ثقيلة وصواريخ موجهة ضد الأهداف البحرية والبرية، كما أن مدة بقائها تحت الماء تُقدر بحوالي 3 أسابيع، وهي 10 أضعاف المدة التي تستطيع الغواصات التقليدية أن تبقى بها.
وتستطيع هذه الغواصة أن تقترب من الشواطئ، مع البقاء آمنة، أكثر بكثير من الغواصات التقليدية، وهي خصائص نوعية تميزها عما تملكه كلا الدولتين حاليا من أسلحة بحرية.
ويقول أستاذ علم الاقتصاد السياسي في كلية لندن، إيمانويل كاراغيانيس في حديثه: “المشكلة أنه يمكن استخدام هذه الغواصات لجمع المعلومات الاستخباراتية في المياه المتنازع عليها، كما أن الغواصات قد تكون مسلحة بصواريخ متوسطة النطاق مضادة للسفن، والتي يمكن أن تحيد إلى حد كبير القدرات اليونانية المضادة للغواصات”.
هذه المجادلة “السياسية – العسكرية” اليونانية التركية بشأن الحصول على الأسلحة البحرية المتطورة تجري عقب اندلاع توتر سياسي عسكري واقتصادي بين البلدين، بالرغم من عضويتهما في حلف “الناتو”، الذي وصل إلى أوجه في صيف العام الماضي.
ودفع هذا التوتر الطرفين إلى زيادة قدراتهما العسكرية، إذ اشترت اليونان عددا من الطائرات الحربية الفرنسية. وفي أواخر العام الماضي، أعلنت زيادة ميزانيتها الدفاعية بقرابة الخُمس، من 5.5 مليار دولار، لتصل إلى 6.6 مليار دولار، مذكرة بأن تلك الميزانية، تظل رغم الزيادة، أقل من نصف الميزانية العسكرية التركية، المقدرة بحوالى 17 مليار دولار.
الباحثون العسكريون أجروا مجموعة من المقارنات بين القوتين البحريتين التركية واليونانية، عندما تأجج التوتر بسبب التنافس على ثروات منطقة شرق المتوسط، ومعها حقوق السيادة على المياه القارية الفاصلة بين الطرفين في بحر إيجه.
وحسب تلك المقارنات، فإن قدرات البحرية التركية كانت تُقدر بضعف ما كانت تملك اليونان، كما ونوعاً، ولذلك، فإن حصول تركيا على الغواصات الألمانية الحديثة قد يزيد ذلك الفارق إلى مستويات تدفع اليونان للحصول ما قد يُعدل ذلك الميزان بأي ثمن.
وتقدر القوات البحرية التركية بنحو خمسين ألف مقاتل، وتملك قرابة 150 قطعة عسكرية بحرية، مقابل امتلاك اليونان لـ13 فرقاطة و11 غواصة تقليدية و4 كاسحات ألغام فحسب، حتى وإن عدد جنودها البحريين يوازي عدد نظرائهم الأتراك.
الباحث التركي المختص في الشؤون السياسية أركد شامل أوغلو، شرح في حديث مع موقع “سكاي نيوز عربية” تأثير عمليات التحديث العسكري البحرية التي تنفذها تركيا، لافتا إلى أن “التعاقد بشأن هذه الغواصات ينتمي إلى أزمنة سابقة، عندما كانت العلاقات الأوربية التركية أفضل حالا، بالذات مع ألمانيا واليونان، الدولتان المعنيتان”.
وأضاف: “الأوضاع حاليا مختلفة تماما، وبدون شك، ستسعى القوى الأوربية، وبدعم ومساهمة من الولايات المتحدة، إلى إعادة التوازن في القوة البحرية بين الدولتين، لأنها تدرك تماما أن عدم حدوث ذلك سيؤدي إلى اندلاع أشكال من التوتر الذي قد يؤدي إلى صدام عسكري، وهو ما لا يمكن لأي طرف أن يتحمله”.
وأكد على أن التوازن العسكري، حسب العلوم السياسية، “وحده القادر على إقامة ردع ثنائي للدول التي بينها توترات سياسية”.
واستطرد الباحث التركي في حديثه مع موقع “سكاي نيوز عربية”: “خلال المرحلة الأولى ستعتمد اليونان على ثنائي فرنسا والولايات المتحدة لإعادة التوازن، ومجموع الاتفاقات العسكرية والتشريعات البرلمانية الأميركية تؤكد ذلك التوجه”.