كشف الكرملين النقاب عن خطط ترمي إلى تعزيز الجيش الروسي بقرابة 350 ألف جندي. وقد أثار ذلك تساءل مراقبين حول كيفية قيام روسيا بتجنيد هذا العدد الكبير من الجنود فضلا عن إيجاد مصادر لتمويل شراء معدات عسكرية جديدة.
بحسب ما نقل موقع DW، أعلنت روسيا مؤخرا عزمها تجنيد 350 ألف جندي إضافي لكي يصل قوام الجيش الروسي إلى 1,5 مليون جندي. وقد أرجع وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو ذلك إلى متطلبات “الأمن العسكري الروسي” و “المناطق الجديدة”، في إشارة إلى بشكل غير قانوني.
وأضاف شويغو أنه لا يمكن تأمين “البنية التحتية الحيوية” في روسيا إلا من خلال “تعزيز المكونات الأكثر أهمية في القوات المسلحة” في إشارة ضمنية إلى العنصر البشري.
وبحسب ما كشف عنه الوزير الروسي فإن عملية الإصلاح في الجيش ستبدأ العام الجاري وحتى عام 2026، مع تنفيذ أهداف ثلاثة تتمثل في: إعادة إنشاء منطقتي موسكو ولينينغراد (سان بطرسبورغ اليوم) العسكريتين وإنشاء تشكيلات جديدة للجيش في المناطق التي ضمتها بشكل غير قانوني في أوكرانيا فضلا عن تشكيل 12 وحدة متنقلة جديدة.
وتتضمن الخطة أيضا تشكيل فيلق جديد في منطقة كاريليا الواقعة شمال سان بطرسبورغ؛ ومن المتوقع أن يتألف الفيلق من ثلاث فرق من قوات برية تحمل بنادق آلية بالإضافة إلى فرقتين من القوات المحمولة جوا.
بدوره، يرى الخبير العسكري الإسرائيلي ديفيد شارب أن الفيلق الذي سيتم إنشاؤه في كاريليا يأتي “ردا على توسع (حلف شمال الأطلسي) الناتو”، حيث أن منطقة كاريليا الروسية تقع على حدود فنلندا التي تقدمت إلى جانب السويد بطلب للانضمام إلى الناتو.
وقال شارب، الذي ينحدر من أوكرانيا، إن الحرب الروسية في أوكرانيا أظهرت أن القوات المسلحة الروسية غير قادرة على تنفيذ مهمتها الرئيسية المتمثلة في احتلال أوكرانيا، مضيفا أن روسيا في حاجة إلى إعادة تنظيم صفوف قواتها بالتزامن مع تعزيز قدرات الجيش الروسي.
وأوضح ذلك، قائلا “يعني الإصلاح تسريع الانتقال من الألوية العسكرية إلى الفرق، في مسعى لمنح الوحدات العسكرية مزيدا من الاستقلالية. فيما تتجه التغييرات بشكل أكبر نحو تحقيق أهداف طويلة الأجل بدلا من تصحيح الوضع الحالي على الجبهة [الأوكرانية]”.
ما هي آلية تجنيد المزيد من الجنود؟
لكن النقطة الجديرة بالاهتمام في الخطة التي أعلنها وزير الدفاع الروسي تتمثل في تعزيز الجيش بقرابة 350 ألف جندي! وهو ما أثار تساؤلات بين المراقبين حول كيفية تجنيد الجنود الجدد؟
يشار إلى أن التنجيد لزامي في روسيا، إذ يتعين على الشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 27 عاما أداء الخدمة العسكرية فيما يتم تجنيد حوالي 270 ألف مجند في الربيع والخريف لمدة عام واحد على نحو سنوي. بيد أنه على أرض الواقع لا يتم تنجيد جميع الشباب من هذه الفئة العمرية، إذ يتفادى بعض الشباب التجنيد الإجباري سواء بسبب الدراسة الجامعية أو عن طريق تقديم رشاوي للسلطات.
ويتوقع أن تُقدم القيادة الروسية على رفع سن الخدمة العسكرية الإجبارية من 21 إلى 30 عاما في خطوة اعتبرها الخبير العسكري ديفيد شارب بأنها تعد “جزءا من الإصلاح.” وأضاف “لا يزال المجندون البالغون من العمر 18 عاما أطفالا ولا يصلحون لخوض معارك عسكرية. بيد أن الأفراد الذين تتراوح أعمارهم بين 27 و 30 عاما يتمتعون بقوة جسدية جيدة فضلا عن أنهم قد أنهوا دراستهم وهذا قد يصب في صالح الجيش.” ورغم ذلك، توقع شارب أن يتم استدعاء المزيد من المجندين في المستقبل.
لكن الخطوة الأولى المعلنة حتى الآن سوف تتمثل في رفع الحد الأقصى للتجنيد إلى سن الثلاثين في فصل الربيع، بيد أنه يُتوقع رفع الحد الأدنى للعمر في وقت لاحق، لكن لم يتم تحديد موعد ذلك حتى الآن. وتشير التقديرات إلى أ، هذا الأمر سوف يزيد دائرة المجندين بحوالي مليوني عنصر.
وقد أثارت هذه الخطط تكهنات حول إمكانية لجوء روسيا إلى إعلان تعبئة عامة جديدة في البلاد عقب إعلان الرئيس فلاديمير بوتين التعبئة الجزئية في سبتمبر/ أيلول الماضي. وفي سياق متصل، قال شارب “إذا نظرنا إلى مسار الحرب في أوكرانيا، فإن عملية الإصلاح التي أعلنتها روسيا لا يمكن تحقيقها إلا بالإعلان عن تعبئة جديدة. إذ من أجل زيادة قوام الجيش إلى 1,5 مليون جندي يجب استدعاء مئات الآلاف من الرجال، ويعد ذلك الورقة الرابحة الوحيدة المتبقية لروسيا”.
لكن في المقابل، يرى أندري ريجينكو، النائب السابق لرئيس أركان القوات البحرية الأوكرانية، إن إعلان موسكو تعبئة جديدة لن يحقق الكثير للقوات الروسية، إذ أن الجيش الروسي، على حد قوله، مازال مشغولا بشكل كبير بالتعامل مع المجندين الجدد الذين انضموا إلى صفوفه عقب إعلان التعبئة الجزئية في سبتمبر / أيلول الماضي. وقال ريجنكو إن “المجندين الجدد يجب أن يقوموا بأداء مهام”، مضيفا أن الكرملين لم ينجح حتى الآن في تعويض الخسائر التي تكبدها بعد انضمام مجندين جددإلى صفوفه.
وفي ضوء ذلك، لا يتوقع ريجينكو أن تسفر عملية الإصلاح المعلنة في الجيش الروسي عن تغيير جوهري، إذ أنها “تكبدت خسائر فادحة منذ بداية الحرب. لذا يتعين عليها تعويض هذه الخسائر، لكن من المتوقع أن يتمركز الجنود الجدد على جبهات القتال قبل الشتاء المقبل”.
وستكون هذه الزيادة في عدد القوات الروسية، هي الثانية منذ بدء روسيا حربها في أوكرانيا في فبراير/ شباط الماضي. ففي أغسطس/ أيلول الماضي، وقع بوتين مرسوما يقضي بزيادة عدد أفراد القوات المسلحة بمقدار 137 ألف جندي إضافي، وقد يصل عددهم إلى قرابة نصف مليون في حالة المضي قدما في تنفيذ تجنيد 350 ألف جندي آخر بحسب ما جرى الإعلان عنه قبل أيام.
اكن هذا العدد الكبير من المجندين الجدد يتطلب تمويلا جديدا لتغطية نفقات الملابس والعتاد العسكري، وهو الأمر الذي يمثل عبئا كبيرا على ميزانية الدولة. وقد أثار ذلك تساؤلات كثيرة حيال قدرة روسيا على توفير هذا التمويل الكبير في ضوء تراجع عائداتها من النفط والغاز بسبب العقوبات الدولية.
وفي ذلك، يقول شارب “سوف تتطلب عملية الإصلاح إيجاد موارد كثيرة ليست فقط مالية و بشرية، وإنما يتطلب أيضا معدات وبنية تحتية لاستيعاب 350 ألف مجند إضافي. بالإضافة إلى ذلك، سوف يتطلب الأمر الحاجة إلى متخصصين لتدريب المجندين الجدد”.
وألمح إلى أن الوحدات التي سيتم تشكيلها في المستقبل ربما ستكون موجودة على الأوراق الرسمية فقط أو أنها لن تحصل على معدات عسكرية، مضيفا “جُل الوعود التي جاءت في عملية الإصلاح تبدو غير واقعية”.
من جانبه، يقول أندري ريجينكو إن تكلفة تجهيز مجند بشكل كامل قد تصل إلى قرابة 80 ألف دولار، مضيفا أنه في ضوء ارتفاع التكاليف العسكرية وتقلص واردات الدولة فإن هناك شك حول إمكانية تنفيذ عملية الإصلاح في الجيش الروسي على أرض الواقع. وأشار إلى أن روسيا تعتمد على مكونات أجنبية في ترسانتها العسكرية، مضيفا أن مثل هذه الإجراءات لن تحظى بقبول شعبي في روسيا. وقال ريجنكو “هناك تردد بين الكثير من الروس بشأن القتال في أوكرانيا”.