SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

ايران بين خطر التفكك الداخلي وعودة اليمين الإسرائيلي والغضب الأوروبي

صواريخ إيرانيةشاحنة عسكرية إيرانية تحمل صواريخ خلال استعراض بمناسبة يوم الجيش السنوي للبلاد في 18 نيسان/ أبريل 2018

رياض قهوجي

دخلت إيران بقوة على خط الحرب الأوكرانية، وبات العديد من المعلقين والمسؤولين في الغرب يعتبرونها حليفاً عسكرياً استراتيجياً لروسيا، وأن إمدادها روسيا بالطائرات المسيّرة على أنواعها، بالإضافة إلى الصواريخ الجوالة، ليس من دون ثمن. فهي تحصل وستحصل على تكنولوجيا عسكرية روسية تحدّث ترسانتها الصاروخية. وتنظر أجهزة الاستخبارات العسكرية الغربية والإسرائيلية في تقارير حول تمكن إيران من تصنيع صاروخ فرط صوتي (أي تفوق سرعته خمس مرات سرعة الصوت). وإذا ما صحّت الأخبار، فهذا سيجبر الدول المحيطة بإيران، وحتى القوات الأميركية في المنطقة، على تحديث دفاعاتها الجوية لتتمكن من التصدي لهذا النوع من الصواريخ التي يمكن أن تكون بالستية أو جوالة.

لا معلومات متوافرة حتى الآن عما تملكه إيران بالتحديد. إلا أن موقعاً دفاعياً أميركياً متخصصاً يدعى Breaking Defense نقل عن مصادر إسرائيلية قولها إن إسرائيل تتابع منذ فترة جهوداً إيرانية لتصنيع صواريخ فرط صوتية بمساعدة من كوريا الشمالية، وهي تعتبر أن مسألة امتلاك إيران هذه التكنولوجيا هي مسألة وقت فقط. وبلا شك فإن روسيا التي تمتلك صواريخ بالستية وجوالة فرط صوتية تستطيع أن تنقل هذه التكنولوجيا إلى إيران من أجل توسيع التهديد العسكري ضد أميركا وحلفائها. وتحسباً لامتلاك إيران هذه الأسلحة بدأت إسرائيل منذ فترة بتطوير جيل جديد من صواريخ أرو (أو “حيتس” باللغة العبرية أي السهم)، يحتوي على أجهزة استشعار ومنظومة إنذار مبكر توفر القدرة على التصدي لصواريخ فرط صوتية. لكن لا معلومات حتى الآن عما إذا ما تمكنت إسرائيل من تصنيع هذه الصواريخ التي ستُعرف باسم أرو-4.

عودة اليمين المتطرف إلى الحكم في إسرائيل تشكل مدعاة قلق للإدارة الأميركية التي تخشى أن تستأنف الاستخبارات الإسرائيلية نشاطاتها الهجومية داخل إيران، في مسعى لتعطيل البرنامج النووي والصاروخي الإيراني، ما سيصعّد من التوتر العسكري مع طهران في المنطقة. وكانت الساحة الإيرانية قد شهدت العديد من الانفجارات والهجمات وعمليات الاغتيال خلال فترة الحكومات الإسرائيلية التي ترأسها بنيامين نتنياهو، وبخاصة خلال فترة إدارة دونالد ترامب. وتوقفت هذه العمليات مع خروج نتنياهو ووصول إدارة بايدن إلى البيت الأبيض، فكان هناك تنسيق إسرائيلي قريب جداً مع أميركا.

ويخشى العديد من المراقبين الأميركيين أن يعتمد نتنياهو سياسة هجومية من دون تنسيق دائم مع واشنطن، بخاصة في ظل تقدم البرنامج النووي الإيراني من دون أي رقيب أو سيطرة من الخارج. فنتنياهو، مع حكومة من اليمين المتشدد، قد يكون أكثر انفتاحاً على فكرة شن هجوم من طرف واحد على منشآت إيران النووية والصاروخية. لكن من المرجح أن يبقى هذا الخيار الأخير، إذ إن الواقع الجيوسياسي الجديد يمنح إسرائيل فرصاً وحلولاً أخرى.

فقد بدأت أوروبا فرض عقوبات على قيادات وكيانات إيرانية، بعدما كانت هذه سياسة واشنطن فقط. وتفرض هذه العقوبات اليوم من باب انتهاكات حقوق الإنسان في عمليات قمع المتظاهرين في إيران. كما تحدث مسؤولون ألمان وفرنسيون عن انتهاك إيران للاتفاق النووي، وهناك اتجاه تصعيدي ضد طهران في هذا الإطار. ويشكل استمرار التظاهرات في إيران بعد أكثر من شهرين على انطلاقها باباً لتدخلات خارجية لنشر الفوضى في إيران. ولطالما كانت أوروبا تعارض فكرة دعم حركات معارضة داخل إيران، خشية من تصدعها واندلاع حرب أهلية شبيهة بما حصل في سوريا. فإيران مكوّنة من قوميات وإثنيات ومذاهب دينية متعددة، ولا يشكل الفرس فيها أكثر من نصف السكان. وهناك قوميات تشكل جزءاً كبيراً من سكان إيران. يشكل الكرد عشر عدد سكان إيران البالغ 85 مليون نسمة، فيما يشكل الأذريون 16 في المئة والأهوازيون 12 في المئة والبلوش 3.5 في المئة. وتملك أوروبا مصالح اقتصادية في إيران، جعلتها تمانع ممارسة ضغوط شديدة عليها أو نشر الفوضى فيها. لكن دعم إيران لروسيا في حرب أوكرانيا سيؤثر بلا شك في موقف القوى الأوروبية من أمن إيران الداخلي.

الحركة الاحتجاجية الحالية في إيران انتشرت في أرجاء الدولة، وهي قائمة على رفض الدولة الإسلامية وتدعو إلى إسقاطها. ولم تنجح مساعي السلطات الإيرانية حتى الآن في وقفها رغم عمليات القمع. وكلما طال أمد هذه التظاهرات ستضعف هيبة الدولة وتتكشف التشققات القومية والمذهبية داخل المجتمع الإيراني. ولن تتوانى القوى الغربية، ومن ضمنها الأوروبية اليوم، عن توفير الدعم لاستمرار هذه الاحتجاجات التي فاجأت العديد من المراقبين داخل إيران وخارجها باستمرارها حتى اليوم وتوسعها بهذا الشكل الذي يقلق النظام.

طبعاً التدهور الأمني الداخلي سيتيح فرصاً جديدة وإضافية للاستخبارات الإسرائيلية لتوسيع نشاطاتها على الساحة الإيرانية التي من المرجح أن تشهد عمليات على منشآت دفاعية وأمنية ونووية، وربما عمليات اغتيال ضد علماء ومسؤولين في الحرس الثوري. وسيعطي الهجوم الأخير على ناقلة النفط المملوكة لرجل أعمال إسرائيلي في خليج عمان المبرر لإسرائيل لاستناف نشاطاتها داخل إيران.

لا تزال إسرائيل تعتمد استراتيجية الضربات الاستباقية ضمن آلية تعزيز قوة الردع الخاصة بها. وبناءً عليه، فهي تستمر بغاراتها الجوية ضد قوافل تنقل أسلحة نوعية إلى “حزب الله” والميليشيات التابعة للحرس الثوري في سوريا. فالطائرات الإسرائيلية تشن هجمات شبه أسبوعية ضد مخازن للسلاح وقوافل لتمنع نقل طائرات مسيرة هجومية وصواريخ بالستية أو جوالة وصواريخ مضادة للطائرات أو السفن. ويبدو أن الهجمات المتكررة على مطاري دمشق وحلب أدت إلى وقف الإمداد عبر الجو، كما أن قصف الحاويات في ميناء طرطوس قد أغلق الخط البحري للسلاح، ما يبقي الخط البري مساراً أساسياً اليوم لنقل السلاح الإيراني. وإذا ما شعرت إسرائيل أن عملياتها الاستخبارية الداخلية في إيران لم تعد فعالة في نفي التهديد الإيراني، فهي ستلجأ حتماً إلى الخيار العسكري في وقت مناسب لها. وقد يوفر انتشار الفوضى في إيران نتيجة الاحتجاجات الفرصة المناسبة لإسرائيل لتوجيه ضربة ضد المنشآت الإيرانية. ولن تجد طهران في أوروبا أي جهة فاعلة تعترض على أي عمل عسكري إسرائيلي ضدها.

شارك الخبر: