SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

حرب أوكرانيا: ساحة اختبار لأسلحة غربية وشرقية تثير اهتمام الجيوش حسب أدائها

جنود أوكرانيونجنود أوكرانيون

رياض قهوجي

كشفت الحرب الأوكرانية العديد من الأمور التي ستؤثر بشكل كبير على خطط تسلح الجيوش والسياسات الدفاعية للدول بشكل عام وتحديدا الموجودة في منطقة تشهد نزاعات عسكرية مثل الشرق الأوسط. وسيساعد ارتفاع أسعار النفط دول الخليج العربي على زيادة ميزانيات التسلح لتنفيذ برامج تحديث لقواتها. ومن المرجح أن تأخذ قيادات هذه الدول في خطط تسلحها الدروس المستقاة من الحرب في أوكرنيا، وأحد هذه الأمور هي محدودية دور القوات الجوية عند توفر قدرات دفاع جوي فعالة عند الأطراف المتحاربة. ولقد استثمرت هذه الدول عبر السنوات الماضية في بناء قوات جوية تتضمن أحدث ما في الأسواق الغربية من مقاتلات الجيل 4+، مثل تايفون يوروفايتر ورافال والاف-16 بلوك 60/70 واف-15اس. وفي الوقت عينه حصلت هذه الدول على مجموعة من منظومات الدفاع الجوي أهمها صواريخ باتريوت.
لكن الأنباء الأخيرة حول التعاون العسكري بين روسيا وايران وإمكانية استلام طهران لتكنولوجيا عسكرية متقدمة من موسكو أوجدت حالة من القلق لدى اطراف دولية وإقليمية عديدة من إمكانية استلام ايران لأسلحة مثل منظومة اس-400 المضادة للطائرات أو أسلحة فرط صوتية. فبرنامج ايران للصواريخ الباليستية والجوالة سيحصل على نقلة نوعية كبيرة في حال حصلت ايران على تكنولوجيا تصنيع رؤوس حربية انزلاقية فرط صوتية. فهذا سيجبر كافة دول المنطقة والولايات المتحدة على إعادة النظر بمنظومات الدفاع الجوي التي تملكها والبحث عن حلول لنفي تهديد الأسلحة فرط صوتية. كما أن وجود صواريخ اس-400 في ايران سيعقد أي عملية من جانب اسرائيل أو أمريكا لضرب المنشآت النووية الإيرانية، وقد يجبرهما على استخدام صواريخ بعيدة المدى تطلق من غواصات لتدميرها في أي مواجهة مستقبلية.
وأثارت الحرب في أوكرانيا تساؤلات حول دور طائرات الهليكوبتر الذي بقي محدودا أيضا بسبب امتلاك كلا الطرفين لمنظومات دفاع جوي جيدة. فالمروحيات أبطأ من المقاتلات الحربية مما يجعلها هدفا سهلا للدفاعات الجوية. ولقد خسرت روسيا أكثر من ستين مروحية خلال العام الفائت. وتستخدم بأوكرانيا غالبا في المهام اللوجستية والهجمات السريعة حيث تطلق المروحية الهجومية كل ما تحلمه من صواريخ دفعة واحدة وتنسحب بسرعة. تهديد الصواريخ المضادة للطائرات زاد من أهمية الطائرات المسيرة لمهام الاستطلاع والمراقبة والهجوم والنقل. فخسارة الطائرة المسيرة لا تعني خسارة طيارين وكلفتها أقل بكثير من الطائرة الحربية والهليكوبتر.
وعليه، من المتوقع أن تشهد الطائرات المسيرة وعلى أنواعها وأحجامها كافة هجمة كبيرة من القوات المسلحة في الشرق الأوسط لتعزيز قدراتها في الرصد والاستطلاع والمراقبة وفي شن الهجمات. وستحظى مسيرات الكاميكازي باهتمام كبير خاصة تلك التي تملك خصائص الذكاء الاصطناعي وتستطيع أن تشن هجمات جماعية منسقة. وازدياد خطر هذه الطائرات وانتشار صناعتها عالميا يحتم على الجيوش امتلاك منظومات مضادة لها لحماية مواقعهم والمنشآت الحيوية في الدولة. ولقد استخدمت روسيا المسيرات الانتحارية الإيرانية شاهد-136 في هجمات ضد البنية التحتية الأوكرانية في أسلوب أشبه بالقصف الاستراتيجي. هذه الهجمات شكلت فرصة ثمينة للخبراء الغربيين في أوكرانيا لكشف نقاط ضعف المسيرات الايرانية وقاموا على أثرها بتسليم أوكرانيا منظومات متنوعة لرصد وتعقب المسيرات واسقاطها. ومن المتوقع أن يتنامى الطلب العالمي على المنظومات المخصصة لرصد المسيرات الصغيرة والمتوسطة واعتراضها اما بصواريخ والمدافع الرشاشة أو بأجهزة التشويش الالكتروني والكهرومغناطيسية.

أما بالنسبة للصواريخ الموجهة المضادة للمدرعات مثل جافلين وانلو وكورنيت وغيرها، فلقد أثبتت فعاليتها على أرض المعركة بأوكرانيا. إنما لم تستطع أن تنهي دور المدرعات كما تنبأ بعض الخبراء. فلا تزال الدبابة سيدة ساحة القتال اذا ما استخدمت بذكاء وضمن استراتيجية عسكرية فعالة. ففي الكثير من الأحيان تقلل الاستراتيجية أو التكتيكات السيئة من قوة وأهمية السلاح. فعلى سبيل المثال امتلكت فرنسا دبابات مهمة مثل اس-35 في مطلع الحرب العالمية الثانية اعتبرت حينها أفضل من دبابات البانتزر الألمانية. لكن القوات الفرنسية اعتمدت استراتيجية سيئة في التعامل في القوات النازية المهاجمة مما افقد الدبابات الفرنسية فعاليتها وأدى الى النصر الكاسح لألمانيا حينها. وتجدر الاشارة الى أن حينها كان هناك اعتقاد سائد بأن المدافع المضادة للدروع ستنهي دور الدبابات، الا أن هذا لم يحصل. ويتم تجهيز الدبابات الحديثة بمنظومات حماية ذاتية وتصفيح من مواد مركبة يقوي دفاعاتها. وعليه، فان سلاح المدرعات سيبقى أساسي ضمن الجيوش الحديثة وله الدور الرئيسي على ساحات القتال.
وتشكل الحرب الأوكرانية فرصة مهمة للشركات لتسويق أسلحتها. فمع تزايد مطالبة كييف بدبابات قتال رئيسية من الغرب، ذاع سيط دبابة الليوبارد-2 الأمانية التي تخدم في عدة جيوش أوروبية ومن المتوقع أن تشهد اقبالا اضافيا عليها. كما أن دبابة ام-1 ابرامز فهي أيضا لاقت نصيبها من الدعاية وستدخل ساحة القتال الأوكرانية لتواجه الدبابات الروسية طراز تي-80 وتي-90. كما قررت بريطانيا تقديم بضعة من دباباتها طراز تشالنجر-2 في حين اكتفت فرنسا بتقديم قانصات دبابات طراز آ ام اكس-10. أداء هذه المدرعات على ساحات القتال سينعكس بطريقة أو بأخرى على سمعتها ويؤثر سلبا أم ايجابا على مبيعاتها المستقبلية. كما أن تقديم دبابات ألمانية قديمة طراز ليوبارد-1 سيزيد الطلب على قذائف عيار 105-ملم الذي يشكل المدفع الرئيسي لهذه الدبابة. فمعظم مصانع الذخيرة كانت توقفت عن تصنيع هذا العيار وركزت فقط على قذائف عيار 125-ملم وهو السلاح الرئيسي لغالبية دبابات القتال الرئيسية الحديثة في الغرب وروسيا.
وأما سلاح المدفعية وتحديدا الهاوتزر. فبالرغم من وجود راجمات الصواريخ والتي بعضها من العيارات الثقيلة وتصل الى مسافة بعيدة، الا أنها ليست بفعالية مدافع الهاوتزر التي تعتبر أكثر دقة وأقل كلفة من الصواريخ الذكية. فالعديد من مدافع الهاوتزر التي قدمت لأوكرانيا مثل ام-777 المقطورة و ام-109 وسيزر ذاتية الحركة، تستخدم منظومات توجيه نيران تمكنها من إصابة المناطق المستهدفة بسهولة. كما أن بعضها يطلق قذائف موجهة بالليزر أو تحتوي أجهزة استشعار حرارية مما يمكنها بإصابة أهداف بدقة فائقة. ولقد زودت الولايات المتحدة أوكرانيا قذائف اكسكاليبر عيار 155 ملم تطلق من مدافع الهاوتزر. ويعتبر المدفع الكوري الجنوبي طراز كي-9 الأكثر شعبية اليوم في الشرق الأوسط بعد أن تم اختياره من قبل مصر ومجموعة دول أوروبية مثل ليتوانيا وفنلندا وبولندا.
لا تزال منظومات صواريخ هايمارس نجمة الحرب في أوكرانيا. فصواريخها فائقة الدقة طراز ام142 والتي يصل مداها حتى 80 كلم أثبتت فعاليتها في ضرب الخطوط الخلفية وأماكن تجمعات القوات الروسية وطرق مواصلاتهم مما زود القوات الأوكرانية بتفوق نيراني تكتيكي. وتلاقي هايمارس اليوم طلبا كبيرا من عدة دول كان آخرها بولندا. كما أن حسن استخدام الجنود للطائرات المسيرة الصغيرة في مهام الرصد والاستطلاع التكتيكي زاد من فعالية مدافع الهاون التي يتم توجيه نيرانها بمساعدة كاميرات المراقبة على المسيرات التي تمكن تحديد احداثيات الهدف.
سوء أداء القوات الروسية في ميادين القتال أثر سلبا على سمعة الأسلحة الروسية. فصور أفلام الفيديو المسربة من أرض المعركة تظهر عشرات المدرعات الروسية مثل تي-72 وتي-80 تنفجر بشكل عنيف عند حصول أي اختراق في هيكلها بسبب سوء تصميم داخلي جعل قذائف الدبابة في منطقة مكشوفة في اسفل البرج. كما أن فشل روسيا في احراز سيطرة جوية على أرض المعركة كما كان متوقعا انعكس سلبا على سمعة طائراتها مثل سو-25 وسو-35 وميغ-29 التي تم اسقاط أعداد منها. أما من ناحية القدرات البحرية، فتمكن أوكرانيا من اغراق المدمرة موسكوفو بواسطة صاروخ محلي طراز نبتون أعاد الاهتمام الجيوش عالميا بالدفاع الساحلي بواسطة صواريخ جوالة مضادة للسفن. ولقد تم تعزيز قدرات أوكرانيا بصواريخ هاربون تطلق من منصات برية، الأمر الذي يبدو أنه دفع روسيا لصرف النظر عن شن أي عمليات انزال ضد ميناء أوديسا على البحر الأسود كما كان يتوقع العديد من المراقبين. ولقد شنت القوات الأوكرانية هجمات عدة، وبعضها كان ناجحا، على البحرية الروسية مستخدمة طائرات دون طيار وحتى زوارق سريعة انتحارية مسيرة عن بعد. فالساحة الأوكرانية باتت ساحة اختبار للأسلحة وتلك التي تؤدي عملا جيدا تنال اهتمام الجيوش العالمية.

شارك الخبر: