SdArabia

موقع متخصص في كافة المجالات الأمنية والعسكرية والدفاعية، يغطي نشاطات القوات الجوية والبرية والبحرية

التّصعيد سيّد الموقف في إسرائيل وقد تكون له تداعيات أمنيّة داخليّة وفي المنطقة

كتب رياض قهوجي في النهار العربي


تتسارع التطورات في إسرائيل تسارعاً فاق توقعات العديد، بخاصة ممن ما زالوا ينظرون إلى إسرائيل كما كانت أيام حكم القيادات التي ساهمت في تأسيسها عام 1948، من أمثال رئيس وزرائها الأول ديفيد بن غوريون أو إسحق شامير أو شيمون بيريز أو إسحق رابين أو أرييل شارون. كانوا معظمهم قادة عسكريين وعقائديين وضعوا خططاً طويلة الأمد بهدف خدمة دولة إسرائيل. ولم تكن مهمتهم سهلة، بل واجهوا تحديات عديدة، وأهمها تأمين دعم غربي لا محدود لهزيمة القوى العربية التي تفوقها عدد سكان إسرائيل بأضعاف. 

وتظهر العديد من المصادر التاريخية أن الحركة الصهيونية لم تكن على وفاق تام مع معظم الجاليات اليهودية في الغرب، وتحديداً في أميركا، لأنها كانت حينها تدعو إلى عدم الاعتراف بيهودية كل من لا يعود إلى أرض الميعاد في فلسطين المحتلة. لكن حنكة بن غوريون مكنته من التوصل إلى اتفاق مع غالبية القيادات اليهودية الكبيرة في أميركا، يعطي الحرية لليهود الأميركيين باختيار حق العودة، ولكن جعل دعم دولة إسرائيل واجباً. وكانت إسرائيل منذ حينها دولة ملحقة بالغرب، كونها اعتمدت نظاماً ديموقراطياً ليبرالياً، وكانت جزءاً أساسياً من المعسكر الغربي الذي خرج منتصراً من الحرب الباردة. 

لكن إسرائيل التي عرفها العرب والغرب قد تغيرت كثيراً. فقادتها لم يعودوا عقائديين بمعنى وضع مصلحة الدولة والشعب اليهودي قبل كل شيء. فلقد تحول التنافس بين الحزبين التقليديين – العمل والليكود – إلى تنافس بين عشرات الأحزاب وتضم قوى متطرفة من اليمين واليسار. النهضة الاقتصادية الكبيرة التي شهدتها إسرائيل منذ تسعينات القرن الماضي ضاعفت من التنافس والنشاط المالي في اقتصاد رأسمالي، ما زاد من حالات الفساد في السلطة. فبات جزء مهم من القيادات السياسية متورطين في قضايا فساد وحتى بعضهم دخل السجن بسبب ذلك. وبات هدف القيادات الإسرائيلية هو البقاء في السلطة وليس مصلحة الشعب. وطغت الشعبوية على خطابات قادة إسرائيل وسياساتهم بشكل بات يهدد العقيدة العسكرية لجيشها وللخطط التي كان وضعها مؤسسو الدولة. 

فقوى اليمين تحديداً تتنافس على السلطة في ما بينها عبر التشدد ضد الفلسطينيين وضد اليسار وضد العرب وضد الأفكار الليبرالية الجديدة المنتشرة في الغرب. ويسعى كل حزب يميني ليظهر أنه أكثر تشدداً من الآخر سعياً لنيل أصوات الناخبين. وكلما نشطت حركات السلام من الغرب والداخل لدفع المسار مع الفلسطينيين عمد اليمين إلى تسخين الأوضاع واستفزاز الفلسطينيين من أجل إشعال الجبهات في غزة والضفة الغربية لإشاعة الخوف داخل المجتمع. فهذا الخوف هو ما يدفع بمعظم الناخبين في إسرائيل للتصويت لأحزاب اليمين.

كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن تنامي الانشقاقات بين اليهود من الأصول الشرقية والغربية، وتضاعف حجم اليهود الحاريديم الذين يرفضون العمل أو الخدمة العسكرية، ويتوقعون أن تنفق الدولة عليهم مقابل البقاء في البيوت والمعابد للصلات فقط. ووصل حد للتكفير الأصولي المتشدد بين بعض مجموعات اليهود اللأرثوذوكس إلى أن يقوموا بمهاجمة كل من هو غير يهودي من مسلمين ومسيحيين في وضح النهار، ما أدى إلى رد فعل سلبي من قيادات سياسية وروحية في أوروبا وأميركا.

اليوم تشتعل المواجهة في إسرائيل بين الحكومة اليمينية المتشددة بقيادة بنيامين نتنياهو والمحكمة العليا، وخلفها قوى المعارضة وشرائح كبيرة ومهمة من المجتمع الإسرائيلي. وهذا الصراع سيزيد من حجم الشرخ الداخلي ويدفع نتنياهو إلى إثارة ملفات أمنية خارجية أو حتى افتعال أزمات أو حروب محدودة لصرف انتباه الإسرائيليين عن الشؤون الداخلية، وتمرير سياساته التي قد تمنحه هو وزملاؤه في قوى اليمين حصانة قانونية ضد أي شيء يفعلونه أو قرار يتخذونه نتيجة التشريعات الجديدة.

وسيكون الملف النووي الإيراني وانتشار الحرس الثوري في سوريا وتحركات “حزب الله” من الملفات التي يستخدمها نتنياهو، مع العلم أن سياساته في الحكومات التي قادها على مدى عشرين عاماً لم تكن ناجحة في وقف برنامج إيران النووي ولا بردع إيران و”حزب الله” وثنيهما عن التمدد والانتشار بأسلحة وصواريخ على طول حدود إسرائيل الشمالية. وبالتالي لم تعد هذه الأوراق بالقوة التي كانت عليها سابقاً، بخاصة مع انشغال أوروبا وأميركا بحرب أوكرانيا وتردي علاقات حكومة نتنياهو مع الحكومات الغربية بسبب التشريعات التي يتم إقرارها. كما أن نتنياهو يدرك خطورة فتح أي جبهة عسكرية دون دعم أميركي يصعب توفيره حالياً. 

أخطر ما يواجه نتنياهو اليوم هو امتناع الآلاف من جنود وضباط الاحتياط عن الخدمة العسكرية ومغادرة البلاد احتجاجاً على التشريعات الجديدة. فالاحتياط هو ركيزة قوة الجيش الإسرائيلي، وفقدان الكفاءات والخبرات، بخاصة في صفوف القوات الجوية، سيشكل ضربة قوية للجيش الإسرائيلي وللردع ضد التهديدات الخارجية. وهذا أكثر ما يحذّر منه الخبراء في إسرائيل. كما أن تآكل الثقة بين المؤسسة العسكرية والقيادات السياسية سيضر بالعلاقات المدنية-العسكرية على المدى الطويل.

الخطر الآخر الذي قد تتسبب فيه هذه الإصلاحات هو تراجع هجرة الشباب اليهودي من الغرب إلى إسرائيل. فمن يعيشون في دول غربية ليبرالية قد لا يجدون حافزاً للانتقال للعيش في دولة نظامها شبه دكتاتوري. لكن قد تجعل هذه التشريعات إسرائيل أكثر جاذبية لليهود الأرثوذوكس، وبخاصة الحريديم، للانتقال والعيش فيها. وتتحدث الصحف الغربية عن حتمية إقدام حكومة نتنياهو على ضم الضفة الغربية بأكملها عند إقرار التشريعات كافة، ما سينهي عملياً مشروع حل الدولتين وتنتقل القضية الفلسطينية إلى مرحلة جديدة سيكون عنوانها حل الدولة الواحدة. لكن حكومة نتنياهو ستحاول تسويق أفكار الدولة الفلسطينية في الأردن أو سيناء.

ومن الأمور التي تخشاها الحكومات الغربية هو تدهور الأوضاع في إسرائيل إلى حد اندلاع حرب أهلية في مجتمع معسكر ويمتلك أسلحة نووية. هذه الاحتمالية تبدو بعيدة اليوم مع استمرار الطابع السلمي للاحتجاجات، ولكنها قد تتغير عند إراقة أي نقطة دم.

ولا يبدو أن معارضي هذه التشريعات سيتأثرون بأي خطوات خارجية قد يقدم عليها نتنياهو في المرحلة المقبلة. فالموضوع يتعلق بهوية النظام وشكل الحياة في إسرائيل وعلاقاتها بالغرب الليبرالي، وإن كانت ستبقى دولة ديموقراطية ليبرالية أو تتحول إلى نظيراتها من العديد من الدول في الشرق الأوسط ذات الأنظمة الدكتاتورية. وعليه، فإن الوضع في إسرائيل إلى مزيد من التصعيد وقد يرخي بثقله أو بتداعياته على أمن المنطقة.

شارك الخبر: